أخبار سياسية

قانون قيصر:هل ألغت واشنطن القانون فعلاً أم ما يزال سارياً قانونياً؟

قانون قيصر:هل ألغت واشنطن القانون فعلاً أم ما يزال سارياً قانونياً؟

قانون قيصر:شهدت الساحة السياسية الأميركية خلال الأشهر الأخيرة جدلاً واسعاً حول مصير قانون قيصر. لحماية المدنيين السوريين لعام 2019، الذي شكّل لعقود أداة ضغط فعالة على النظام السوري. ومع تغير المشهد السياسي في سوريا بعد عام 2025. بدأت التساؤلات تطرح مجدداً حول ما إذا كانت واشنطن قد ألغت هذا القانون فعلاً أم أن الإجراءات الأخيرة لا تتعدى كونها تعليقاً مؤقتاً للعقوبات المنصوص عليها فيه.

لفهم الإجابة بدقة، لا بد من التمييز بين نوعين من الإجراءات: الإجراءات التنفيذية التي تتخذها الإدارة الأميركية لتخفيف العقوبات مؤقتاً، والإجراءات التشريعية التي يقرّها الكونغرس لإلغاء القانون بشكل دائم·

خلفية قانون قيصر والأساس التشريعي

تم اعتماد قانون قيصر كجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2020 (NDAA). ما جعله قانوناً فدرالياً نافذاً لا يمكن إلغاؤه إلا بتشريع جديد. وقد صُمم هذا القانون لمعاقبة حكومة الأسد والداعمين لها من روسيا وإيران، من خلال فرض عقوبات اقتصادية ومالية شاملة طالت الأفراد والشركات والقطاعات الحيوية مثل النفط والطاقة والبناء.

والأهم من ذلك، أن القانون لا يقتصر على الكيانات الأميركية فقط، بل يمتد ليشمل أي جهة أجنبية تتعامل مع النظام السوري. ولهذا السبب، عرف بـ “العقوبات الثانوية” التي جعلت تطبيقه مؤثراً على نطاق عالمي·

التغير السياسي في سوريا وتأثيره على الموقف الأميركي

مع سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع الحكم في 2025. أعادت الإدارة الأميركية تقييم سياستها تجاه سوريا. فبدلاً من نهج “العقوبات القصوى”، تبنت واشنطن سياسة “إعادة المعايرة”. بهدف دعم الحكومة الانتقالية الجديدة وتشجيع الاستقرار الاقتصادي.

ولذلك، لجأت الإدارة إلى استخدام أدواتها التنفيذية لتخفيف العقوبات دون إلغاء القانون نفسه. كان الهدف هو السماح بتدفق المساعدات الدولية والاستثمارات، مع الإبقاء على أدوات الضغط القانونية تحسباً لأي انتكاسة سياسية.

الخطوات التنفيذية لتخفيف العقوبات

اتخذت الإدارة الأميركية ثلاث خطوات رئيسية ضمن صلاحياتها الدستورية:

استثناء وزارة الخارجية (مايو 2025):

أصدرت الخارجية الأميركية قراراً يمنح استثناءً لمدة 180 يوماً قابلاً للتجديد، يعلّق تطبيق العقوبات الثانوية على الجهات الأجنبية المتعاملة مع الحكومة السورية الجديدة· وقد تم ذلك بدافع “المصلحة الوطنية والأمن القومي الأميركي”·

الرخصة العامة رقم 25 من وزارة الخزانة:

أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) ترخيصاً عاماً يسمح بعمليات اقتصادية محددة كانت محظورة سابقاً، خصوصاً في مجالات الإعمار والطاقة والنقل· وبذلك، أصبح بإمكان بعض الشركات الأميركية والدولية التعامل مع سوريا ضمن نطاق قانوني واضح·

الأمر التنفيذي الرئاسي رقم 14312 (يونيو 2025):

أصدر الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً ألغى مجموعة من الأوامر القديمة التي شكّلت الإطار العام للعقوبات على سوريا، لكنه لم يلغِ قانون قيصر نفسه، بل وجه بمراجعته وتقييم إمكانية تعليقه مستقبلاً·

ما الذي بقي سارياً فعلياً؟

رغم التخفيف الكبير في القيود الاقتصادية، إلا أن العقوبات لم تُرفع كلياً· فقد أنشأت الإدارة الأميركية برنامجاً جديداً باسم “عقوبات تعزيز المساءلة عن الأسد والاستقرار الإقليمي (PAARSS)”، يستهدف شخصيات وكيانات محددة مرتبطة بالنظام السابق وشبكات تهريب المخدرات وجرائم الحرب·

بالتالي، تم استبدال العقوبات الواسعة بعقوبات انتقائية، ما سمح باستمرار الضغط على الجهات المسؤولة عن الانتهاكات، مع دعم الحكومة السورية الجديدة في الوقت ذاته· لذلك، يمكن القول إن السياسة الأميركية لم تتراجع عن مبدأ المساءلة، بل غيّرت طريقة تطبيقه·

المسار التشريعي داخل الكونغرس

من ناحية أخرى، ما زال الكونغرس يناقش عدة مشاريع قوانين تهدف إلى الإلغاء الدائم لقانون قيصر. فقد قدم مشروع في مجلس النواب تحت رقم H·R· 3941 وآخر في مجلس الشيوخ برقم S· 2133، وكلاهما يقترحان إنهاء القانون بشكل رسمي.

ورغم ذلك، فإن المسار التشريعي الأساسي يتمثل في تضمين بند الإلغاء ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA). الذي يعتبر من أكثر التشريعات احتمالاً للتمرير· ففي 10 أكتوبر 2025، صادق مجلس الشيوخ على نسخته التي تشمل هذا البند. لكن المشروع لا يزال بحاجة إلى موافقة مجلس النواب ثم توقيع الرئيس·

حتى تلك اللحظة، يظل قانون قيصر سارياً قانونياً، رغم أنه معطل جزئياً من الناحية التنفيذية·

الفرق بين الإلغاء والتعليق

من المهم التمييز بين الإلغاء التشريعي الذي يتم عبر الكونغرس. والتعليق التنفيذي الذي تتخذه الإدارة مؤقتاً.

فالأول ينهي القانون بالكامل ويزيله من السجلات الفدرالية، بينما الثاني يعلّق تطبيقه فقط دون المساس بوجوده القانوني. وهذا بالضبط ما حدث في حالة قانون قيصر.

وبالتالي، فإن أي حكومة أميركية لاحقة تستطيع إعادة تفعيل العقوبات فوراً دون الحاجة لتشريع جديد. طالما لم يلغَ القانون رسمياً.

الوضع الراهن والآفاق المستقبلية

حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، يمكن القول بثقة إن قانون قيصر لم يلغَ بعد، لكنه معلّق جزئياً. بقرارات تنفيذية قابلة للتجديد أو الإلغاء في أي وقت· وقد نجحت هذه السياسة في موازنة هدفين متناقضين:

دعم الحكومة السورية الجديدة من جهة، والحفاظ على أدوات الردع ضد منتهكي حقوق الإنسان من جهة أخرى·

من ناحية أخرى، يبدو أن الإرادة السياسية داخل الكونغرس تتجه فعلاً نحو الإلغاء، خاصة مع تنامي التأييد لتطبيع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع دمشق الجديدة· ومع ذلك، فإن إتمام الإلغاء يتطلب توافقاً تشريعياً معقداً بين مجلسي النواب والشيوخ وتوقيع الرئيس·

الخلاصة

قانون قيصر:في المحصلة، قانون قيصر ما زال قائماً من الناحية القانونية، لكنه مجمّد فعلياً بفعل قرارات تنفيذية مؤقتة. وحتى يتم إقرار قانون تفويض الدفاع الوطني الجديد الذي يتضمن بند الإلغاء. سيبقى القانون جزءاً من المنظومة الفدرالية الأميركية·

بمعنى آخر، واشنطن لم تلغِ “قيصر” بعد. بل علّقته مرحلياً بانتظار اكتمال المسار التشريعي الذي قد يحدد مستقبل السياسة الأميركية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة·

 

إقراء المزيد:

syria-future

بحث السياسات الاقتصادية والخدمية·· الشرع يترأس اجتماع مجلس التنمية الأعلى في سوريا

تفتيش واعتقالات في وادي قنديل باللاذقية: تجاوزات الشرطة تثير جدلاً واسعاً

تهريب الآثار في ريف دمشق:المباحث الجنائية تضبط شبكات تهريب للتحف والتماثيل الأثرية

تنفيذ اتفاق 10 آذار على الطاولة·· الشرع يلتقي وفداً أميركياً ومظلوم عبدي في دمشق

بوتين ونتنياهو يؤكدان حرصهما على تعزيز الاستقرار في سوريا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى