
الانقسام النقدي في سوريا بعد الأسد بين مناطق بثنائية الليرة السورية والتركية
الانقسام النقدي في سوريا بعد الأسد:في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تشهد سوريا انقساما نقديًا يعكس الخلاف السياسي، حيث تعتمد بعض المناطق على الليرة التركية، تالية التجربة الاقتصادية لشمال غرب وجنوب شرق البلاد، بينما تواصل مناطق أخرى – مثل دمشق وحمص واللاذقية وحلب – استخدام الليرة السورية كعملة رسمية.
تباين في العملة ينعكس على الواقع الاقتصادي
-
الأقاليم الشمالية الغربية (مثل إدلب وعفرين وأعزاز وشمال حلب) تحوّلت تدريجيًا للعملة التركية منذ عام 2020، بعد تراجع حاد في قيمة الليرة السورية.
-
سوريا الوسطى والجنوبية لا تزال تعتمد الليرة السورية رغم أنها تحسّنت نسبيًا من 16 ألف إلى نحو 9,300–9,450 ليرة مقابل الدولار، إثر تخفيف بعض العقوبات.
هذا الانقسام النفسي والنقدي تسبب في تشكل أسواق سوداء لتبادل العملات، ورفع أسعار السلع، واستغلال تجاري بات يؤثر مباشرة على معيشة المواطنين من الشمال إلى الجنوب.
سؤال الأسعار والقدرة الشرائية
أوضح مراقبون: في إدلب، تتراوح تكلفة ربطة الخبز بين 5 و7 ليرات تركية (~0.15–0.20$)، بينما تصل في دمشق إلى 2,000–3,000 ليرة (~0.20–0.30$). أما البنزين، فيباع شمالاً بـ25–30 ليرة تركية للتر، وفي دمشق بـ10,000–12,000 ليرة سورية.
أحد السكان، أيهم نجمة من حماة، وصف الأسواق الحدودية بكونها “ساحة لتجار وأصحاب مكاتب الصرافة غير المرخصة”. ويروي تجربة نقل أموال من إدلب إلى دمشق مستخدماً الليرة التركية، لكنه وجد أن السعر الذي عرضه صراف دمشق (~280 ليرة سورية) لا يعكس قيمتها الفعلية، مما أدى لشراء السلع بثمن مرتفع يعكس عدم استقرار العملة.
اختلافات اجتماعية وأثرها المستدام
يؤكد الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل أن “الانقسام النقدي يُفكك السوق السورية ويحول دون سيولة وحركة تجارية منتظمة بين المناطق، وقد يؤسس لواقع اقتصادي منفصل في الشمالي والغربي”. كما يحذر أن هذا الوضع يغذي عدم تكامل اقتصادي ويفاقم الفروق المعيشية الناجمة عن تذبذب قيمة العملتين.
في دمشق، يواجه العاملون في القطاع العام واقعًا مقلقًا؛ إذ يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي نحو 280,000 ليرة (~30$)، لا يكفي سوى للإنفاق اليومي البسيط.
الحكومة تسعى للضبط النقدي
مصدر في مؤسسة النقد أكد أن الحكومة وضعت رقابة صارمة على صرافين التجزئة، مع إجراءات تنظيمية تشمل وضع لافتات أسعار للصرف، تفعيل تراخيص الصرافة، وتسهيل تقديم الشكاوى في حال التجاوزات.
الرؤية الحكومية ترتكز على توحيد النظام النقدي، بدءًا من ضبط صرافة العملات المرخصة حتى تحجيم تأثير السوق الموازي والأسواق السوداء.
سيناريوهات مستقبلية للوضع النقدي
-
توحد العملة السورية: يشدد المغربل والعُبد الله على ضرورة استقرار الليرة السورية، دعم احتياطيات النقد الأجنبي، وتشديد الرقابة، وتوحيد النظام الضريبي والجمركي لإعادة الثقة في الليرة.
-
الاحتفاظ جزئيًا بالليرة التركية: يرى بعض الخبراء أن العملة التركية ستبقى مستخدمة حتى تحق وي التمويل الخارجي، خصوصًا من المنظمات الدولية والأمم المتحدة والحوالات، غالبًا على حساب الليرة السورية.
بالمحصلة، إن الشروط الاقتصادية والسياسية الراهنة في سوريا ما بعد الأسد تجعل من توحيد النظام النقدي تحديًا مركبًا يعتمد على الاستقرار السياسي، الإصلاحات الإدارية، واستعادة الثقة بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين.
إقراء المزيد
برنامج إيران النووي وتأثيره الإقليمي: مقارنة لمسارات خمس دول نحو القنبلة
تصعيد التوتر بين إسرائيل وإيران.. الولايات المتحدة تعزز قواتها الجوية في الشرق الأوسط
درعا والقنيطرة تحت النار: كيف أصبحت بوابة للصواريخ والمسيّرات الإيرانية؟
اعتقال رئيس أمن الدولة في دير الزور بتهم جرائم حرب وسرقة نفط
هل تتحول إيران إلى تشيرنوبيل جديدة؟ خبراء يحذرون الشرق الأوسط على حافة إشعاع نووي