
استثمارات واعتذار دون تسليم الأسد: روسيا تسعى لبقاء قواعدها العسكرية في سوريا
استثمارات واعتذار دون تسليم الأسد:
في إطار سعيها المستمر لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، تكشف صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مفاوضات سرية تجريها روسيا مع الحكومة السورية بهدف ضمان استمرار وجودها العسكري في سوريا. هذه المفاوضات تتضمن استثمارات روسية ضخمة في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة والموانئ، بالإضافة إلى إمكانية تقديم اعتذار رسمي من روسيا عن دورها في قصف المدنيين السوريين خلال الحرب. وعلى الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة، يبدو أن روسيا تسعى إلى تحقيق توازن بين مصالحها العسكرية والاقتصادية من جهة، ومطالب الحكومة السورية من جهة أخرى.
الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية
تشكل القواعد العسكرية الروسية في سوريا، مثل قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، أحد العوامل الرئيسية التي تسعى موسكو للحفاظ عليها من خلال هذه المفاوضات. تعتبر هذه القواعد مركزًا استراتيجيًا يسهم في تعزيز الحضور الروسي في البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وأكدت الصحيفة أن موسكو تسعى من خلال هذه المفاوضات إلى استعادة دورها البارز في المنطقة، سواء من خلال تعزيز وجودها العسكري أو عبر استثماراتها في الاقتصاد السوري الذي يعاني من تحديات ضخمة بسبب الحرب المستمرة.
استثمارات روسية ضخمة
في محاولة لزيادة نفوذها الاقتصادي في سوريا، تركز روسيا على استثمارات في عدة قطاعات رئيسية، من أبرزها الطاقة والموانئ. ومن بين المشاريع التي يتم مناقشتها تطوير ميناء طرطوس البحري، الذي يعد من أبرز الموانئ الاستراتيجية على البحر الأبيض المتوسط. كما تشمل المفاوضات استثمارات في حقول الغاز والفوسفات في سوريا، بالإضافة إلى بناء مصنع للأسمدة في مدينة حمص. تسعى روسيا إلى استعادة الامتيازات التي كانت قد فقدتها في عهد النظام السابق، بعد أن كانت تمتلك استثمارات كبيرة في قطاعي النفط والغاز قبل انهيار النظام السياسي في سوريا. في هذا السياق، من المتوقع أن تضخ روسيا أموالًا جديدة للمساعدة في تعزيز الاقتصاد السوري المتضرر من الحرب.
اعتذار روسي دون تسليم الأسد
من بين القضايا الحساسة التي تطرقت إليها المفاوضات مع الحكومة السورية هو تقديم اعتذار رسمي من روسيا عن دورها في قصف المدنيين السوريين خلال الحرب. حيث أن موسكو تدرك تمامًا أنها قد تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية بشأن دورها في دعم النظام السوري خلال الصراع. وفي هذا السياق، فإن الاعتذار قد يُعد خطوة نحو تحسين العلاقات مع الشعب السوري، الذي تضرر كثيرًا من الهجمات التي كانت تدعمها روسيا، خاصة تلك التي استهدفت المدنيين.
من ناحية أخرى، رفضت روسيا تمامًا فكرة تسليم بشار الأسد إلى أي جهة دولية أو محكمة. وهذا الموقف يعكس موقف موسكو الثابت في دعم رئيس النظام السوري، الذي كانت روسيا الحليف الأقوى له خلال سنوات الحرب. هذا الرفض يشير إلى أن روسيا لن تقبل بأي تنازلات في هذا الشأن، وهي ترى في الأسد حليفًا أساسيًا في سوريا، وتهدف إلى ضمان استمرار مصالحها العسكرية والاقتصادية في البلاد.
تقارب سياسي جديد بين موسكو ودمشق
شهدت العلاقات السياسية بين روسيا وسوريا تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة. بعد أن اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس السوري أحمد الشرع، ناقشا الجوانب السياسية والتجارية والاقتصادية بشكل مفصل. كما شهدت العلاقات الدبلوماسية أيضًا خطوات إضافية من خلال دعوات لزيارة موسكو، حيث كان آخرها دعوة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لزيارة روسيا. هذه الزيارة تُعتبر من بين الإشارات التي تؤكد رغبة روسيا في إعادة ترتيب علاقاتها مع الحكومة السورية في إطار من التعاون الجديد.
الدعم المالي الروسي
لتعزيز وجودها في سوريا، قامت روسيا بضخ مبلغ يعادل 23 مليون دولار في البنك المركزي السوري، وهو خطوة تهدف إلى تقديم دعم مالي مباشر للسلطة السورية في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد. يعتبر هذا المبلغ بمثابة جزء من استراتيجية موسكو لدعم الحكومة السورية في مواجهة تحدياتها الاقتصادية، حيث تسعى روسيا إلى إظهار دعمها للحكومة الجديدة وتسهيل عملية إعادة الإعمار.
تنويع تحالفات سوريا
على الرغم من أن تركيا كانت قد لعبت دورًا حاسمًا في دعم المعارضة المسلحة ضد النظام السوري، إلا أن الحكومة السورية تسعى الآن إلى تنويع تحالفاتها الدولية. حيث أن سوريا، في ظل الوضع الجديد، تحاول توسيع دائرة شركائها في العالم، مع التركيز على تعميق علاقاتها مع روسيا بشكل خاص. ويرتبط هذا التوجه بالحاجة إلى موازنة النفوذ التركي والإيراني في المنطقة، حيث أن روسيا قد تكون شريكًا أساسيًا في مساعدة سوريا على استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي.
التحديات التي تواجه موسكو
رغم الجهود الروسية المتواصلة للحفاظ على نفوذها في سوريا، فإن موسكو تواجه تحديات دولية معقدة، من أبرزها استمرار العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب حربها في أوكرانيا. هذه العقوبات تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، وهو ما يجعل موسكو مضطرة إلى البحث عن طرق جديدة لتعزيز دورها في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، ترى الحكومة السورية في موسكو شريكًا استراتيجيًا يمكن أن يساعدها في استعادة الاستقرار، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي.
الختام
في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى ترسيخ نفوذها في سوريا، تواجه تحديات دولية وضغوطًا محلية من الداخل والخارج. لكن، يبقى الشأن السوري بالنسبة لها قضية حيوية ومهمة لتعزيز مكانتها في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من التناقضات والصعوبات التي تواجهها موسكو في سعيها للبقاء في سوريا، يبدو أن الحكومة السورية ستواصل التعاون معها لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية، مستفيدة من الدعم الروسي لتجاوز أزماتها الداخلية والخارجية.
إقراء ايضا: