أخبار سياسية

التجنيد في الدولة السورية الناشئة.. إدلب والمناطق المنكوبة الأكثر انخراطًا

التجنيد في الدولة السورية الناشئة

تشهد عمليات التجنيد في الدولة السورية الناشئة تفاوتًا ملحوظًا بين المحافظات، حيث يبرز إقبال كبير من الشباب على الانضمام إلى المؤسسات العسكرية والأمنية الجديدة، خاصة في إدلب والمناطق التي كانت تعاني من التهميش أو الدمار خلال السنوات الماضية. في المقابل، يبدو هذا الحراك أقل نشاطًا في بعض المناطق مثل الساحل وحمص، حيث كانت هذه المناطق تشكل جزءًا أساسيًا من الجيش التابع للنظام السابق قبل سقوطه، مما أدى إلى تسريحات واسعة لعناصرها.

إدلب.. الخوف من التهميش يدفع الشباب إلى التجنيد

تعد إدلب من أكثر المحافظات نشاطًا في عمليات التجنيد، حيث يسعى مئات الشباب للانضمام إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، مدفوعين بعدة عوامل، أبرزها الرغبة في تأمين مصدر دخل ثابت، إلى جانب الخوف من عودة المحافظة إلى وضعها السابق كمنطقة مهمشة اقتصاديًا.

قبل عام 2011، كانت إدلب تُعتبر محافظة منسية، حيث عانت من قلة الاستثمارات وفرص العمل. وبعد اندلاع الثورة السورية، أصبحت مركزًا لاستقبال آلاف المهجّرين من مختلف المناطق، مما زاد من الضغط الاقتصادي. واليوم، مع عودة المهجرين إلى مناطقهم الأصلية، يخشى أبناء إدلب من تراجع الفرص المتاحة لهم، ما يدفعهم للبحث عن وظائف ضمن المؤسسات العسكرية الناشئة.

محمد (27 عامًا)، أحد أبناء مدينة تلمنس في إدلب، سارع فور رؤيته إعلان تجنيد على فيسبوك إلى التقديم للعمل في أحد فروع المؤسسة الأمنية. يوضح محمد أن التطوع في جهاز الشرطة أو الاستخبارات يوفر له دخلًا شهريًا لا يقل عن 200 دولار، في حين أن العمل الحر في إدلب بالكاد يوفر له 3 دولارات يوميًا. وأشار إلى أن إجراءات الانتساب تتطلب تسجيل المعلومات الشخصية، وألا يتجاوز عمر المتقدم 30 عامًا، مع إمكانية الاختيار بين العمل في الاستخبارات أو الشرطة، التي تضم عدة فروع مثل الجنائية، المرور، وشرطة الآداب العامة.

وفي 10 يناير الماضي، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة تسيير الأعمال عن فتح باب الانتساب إلى الشرطة والأمن العام عبر الالتحاق بكلية الشرطة – دورة أفراد، وشملت الدورات معظم المحافظات السورية، بما فيها إدلب، دمشق، ريف دمشق، حمص، طرطوس، السويداء، ودير الزور. تضمنت الشروط أن يكون المتقدم بين 20 و30 عامًا، حاصلًا على شهادة إعدادية على الأقل، غير محكوم بجناية أو جرم شائن، وأن يتمتع بصحة جيدة وطول لا يقل عن 168 سم.

الجيش.. خيار استراتيجي لكثير من الشباب

كما هو الحال مع محمد، يفكر الكثير من الشباب في الانضمام إلى الجيش الجديد الذي يجري تشكيله من الفصائل الثورية وعناصرها. أبو سعيد (40 عامًا)، مقاتل سابق وحلاق، قرر التوجه إلى التجنيد العسكري بعدما شعر بالإرهاق من مهنة الحلاقة التي عمل فيها بعد إصابته في الحرب. يقول إن الجانب المالي لعب دورًا أساسيًا في اتخاذه هذا القرار، حيث سئم من الدخل غير المستقر، ووجد في الجيش فرصة لتحقيق استقرار وظيفي ومادي.

أبو سعيد، الذي شارك في المظاهرات والقتال ضد النظام منذ السنوات الأولى للثورة، يرى أن تشكيل الجيش الجديد يجب أن يعتمد على الفصائل الثورية، وليس على عناصر كانت موالية للنظام السابق. وبرغم إصابته، كان يفكر في الهجرة إلى أوروبا، لكنه لم يتمكن من ذلك، ليجد في الجيش الناشئ حلًا لمستقبله المهني.

دير الزور.. التجنيد بين الضرورة الأمنية والحاجة المادية

شهدت دير الزور إقبالًا كبيرًا على الانتساب إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث سجلت شعبة التجنيد في المحافظة انضمام 1200 منتسب جديد خلال أسابيع قليلة، بعد أن استعادت الدولة السيطرة عليها.

يرجع هذا الإقبال إلى عاملين أساسيين: الأول هو الهاجس الأمني، حيث يفضل السكان أن يكون أبناء منطقتهم جزءًا من الأجهزة الأمنية لضبط الأمن وحماية مدينتهم من أي اضطرابات مستقبلية. والثاني هو العامل الاقتصادي، حيث تعاني المحافظة من انتشار البطالة، مما يجعل التجنيد فرصة جذابة للشباب الباحثين عن عمل.

ريف دمشق.. انخراط سهل وسريع في الأجهزة الأمنية

على عكس العاصمة دمشق، حيث لا يفضل الشباب عادةً التجنيد العسكري، شهد ريف دمشق، وخاصة المدن التي كانت تُعرف بـ”مدن التسويات” مثل داريا، المعضمية، الزبداني، والغوطة الشرقية، إقبالًا واسعًا على الانتساب إلى الشرطة الجنائية والأجهزة الأمنية الأخرى.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن تجنيد الشباب في ريف دمشق كان أمرًا سهلًا، حيث لعبت الفصائل السابقة مثل “جيش الإسلام” و”لواء شهداء الإسلام” دورًا في تسهيل عمليات التسليح والإعداد والتجنيد، مما ساعد في فرض الأمن بسرعة. كما دعمت القيادة الجديدة هذه المبادرات، ووفرت كوادر مدربة للإشراف على المخافر الجديدة، إضافةً إلى فتح باب الانتساب لدورات عسكرية للمدنيين الذين لم يسبق لهم حمل السلاح.

خطة متكاملة لبناء المؤسسات العسكرية والأمنية

تعكس هذه التحركات خطة الدولة الناشئة لإنشاء مؤسسة عسكرية وأمنية قوية، تعتمد بشكل أساسي على الفصائل الثورية، مع إمكانية استيعاب فصائل أخرى مستقبلًا، مثل قوات “قسد” في شرق الفرات، وذلك بعد انتهاء المفاوضات الجارية معها.

كما أن التغييرات القيادية التي شهدتها الفترة الماضية، مثل حل هيئة تحرير الشام وإدماج عناصرها في الجيش الجديد، تمثل خطوة متقدمة نحو بناء مؤسسة عسكرية متماسكة. وبالرغم من أن بعض الشخصيات غير السورية حصلت على مناصب قيادية في التشكيل الجديد، فإن القيادة تعتمد بشكل أساسي على ضباط وفصائل محلية أثبتت جدارتها خلال المعارك ضد النظام السابق.

تجنيد واسع النطاق لتعزيز الاستقرار

منذ سقوط النظام، تعمل القيادة الجديدة على تنظيم عمليات التجنيد والتدريب لتأسيس جيش وقوات أمنية قادرة على إدارة البلاد. ومع استمرار دورات التجنيد والتأهيل، يبدو أن العهد الجديد يسعى إلى بناء نواة عسكرية قوية تحافظ على استقرار البلاد، وتوفر فرصًا للشباب الباحثين عن عمل، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى تعزيز مؤسساتها الأمنية لضمان مستقبل مستقر وآمن.

إقراء ايضا:

تخريج دفعة جديدة من كلية الشرطة في دمشق لتعزيز الأمن والاستقرار

وزارة الدفاع السورية تتوصل إلى اتفاق مع فصائل الجنوب لتشكيل أربعة ألوية عسكرية

شعبة تجنيد حلب تسجيل الانضمام إلى وزارة الدفاع السورية

أبرز تصريحات وزير الدفاع السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى