
الهند تعود إلى دمشق: دلالات أول زيارة دبلوماسية بعد سقوط نظام الأسد
الهند تعود إلى دمشق:في مشهد دبلوماسي لافت، وصل وفد رسمي هندي إلى العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة معلنة منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024· تمثل هذه الخطوة، التي تحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية واقتصادية، مؤشراً على رغبة الهند بتعزيز نفوذها في منطقة غرب آسيا، وإعادة تموضعها في الساحة السورية خلال مرحلة ما بعد الحرب·
🔹 سياق الزيارة: ما الذي تغيّر؟
لطالما احتفظت الهند بعلاقات دبلوماسية “هادئة” مع نظام الأسد، دون أن تصل إلى درجة الانخراط المباشر في دعم النظام، كما فعلت قوى أخرى كروسيا أو إيران· لكن بعد التغيير السياسي الكبير الذي شهدته سوريا، بدأت نيودلهي بالتحرك نحو إعادة صياغة علاقتها مع دمشق الجديدة، في خطوة توحي بأنها تتهيأ للدخول إلى مرحلة جديدة من التعاون الثنائي، مستندة إلى علاقات تاريخية تعود إلى عهد حركة عدم الانحياز·
🔹 الحضور الهندي: دوافع جيوسياسية واقتصادية
بحسب تقارير إعلامية هندية، فإن زيارة الوفد الرسمي بقيادة “سوريش كومار” مدير إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الهندية، تأتي مدفوعة بأهمية الموقع الجيوسياسي السوري، حيث تشكّل سوريا نقطة التقاء استراتيجية بين خمس دول إقليمية رئيسية: العراق، تركيا، الأردن، لبنان، وإسرائيل·
الهند ترى في سوريا الجديدة سوقاً واعدة وممراً محتملاً لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في الإقليم، خاصة مع انفتاح دمشق على تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية بعد فك العزلة السياسية·
🔹 أجندة الزيارة: صحة وتعليم وتدريب
أبرز محاور التعاون التي ناقشها الوفد الهندي مع مسؤولين سوريين، شملت:
إطلاق منح دراسية جديدة للطلاب السوريين في الجامعات والمعاهد الهندية·
تعاون في القطاع الصحي عبر تمويل دورات تدريبية للكادر الطبي السوري في مستشفيات ومراكز صحية هندية·
دعم الصناعات الدوائية السورية وتقديم خبرات تقنية وهندسية في مجال التصنيع الدوائي·
برنامج خاص لتدريب الموظفين الحكوميين السوريين في المجالات التقنية والإدارية·
اللافت أن الجانب الهندي لم يطرح مشاريع استثمارية ضخمة حتى الآن، بل ركز على المجالات الإنسانية والتعليمية كبوابة أولى لإعادة الارتباط مع الدولة السورية·
🔹 رمزية التوقيت: لماذا الآن؟
الزيارة تأتي بعد سبعة أشهر فقط من سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة سورية انتقالية، في ظل إعادة ترتيب المشهد السياسي الداخلي، وبدء فتح دمشق أبوابها تدريجياً أمام المجتمع الدولي، لا سيما دول آسيا وأوروبا·
ويُعتقد أن نيودلهي اختارت هذا التوقيت بعناية لعدة أسباب:
إعادة تموضع دبلوماسي في ظل التنافس الصيني والروسي على النفوذ السوري·
استباق أي تحالفات إقليمية قد تستبعد الهند عن ملفات إعادة الإعمار والتنمية·
تحقيق مكاسب استراتيجية عبر علاقة مستقلة وغير متوترة مع دمشق، بخلاف العلاقات المتوترة مع دول مثل إيران أو باكستان·
🔹 العلاقات السورية – الهندية: من عدم الانحياز إلى التقارب البراغماتي
تتمتع سوريا والهند بعلاقات تاريخية تعود إلى مرحلة ما بعد الاستقلال· فكلتاهما من الأعضاء المؤسسين لحركة عدم الانحياز، وكانتا حليفتين سياسيتين في ملفات متعددة، أبرزها دعم القضية الفلسطينية ومعارضة الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان·
كما ساندت سوريا مواقف الهند تجاه كشمير في الأمم المتحدة، في حين قدمت الهند دعماً إنسانياً كبيراً لسوريا في الأزمات، مثل جائحة كورونا وزلزال 2021·
وبالرغم من عدم وجود شراكات استراتيجية كبرى خلال العقود الأخيرة، حافظ البلدان على تمثيل دبلوماسي منخفض المستوى، حتى خلال فترة الحرب·
🔹 آفاق مستقبلية: هل تصبح الهند شريكاً رئيسياً في إعادة الإعمار؟
تشير المؤشرات الأولية إلى أن الهند لا تسعى حالياً للدخول في منافسة استثمارية مباشرة مع دول كروسيا أو الصين في مشاريع البنية التحتية أو الطاقة، لكنها تركز على مجالات “النفوذ الناعم” مثل التعليم والصحة والتكنولوجيا·
وربما تستغل نيودلهي هذا الحضور التعاوني لفتح الطريق نحو:
توقيع اتفاقيات تجارية مع دمشق في قطاعات مثل الأدوية، الاتصالات، تكنولوجيا المعلومات·
تطوير مشاريع هندسية وصناعية صغيرة – متوسطة داخل سوريا، اعتماداً على خبرات الشركات الهندية الرائدة·
المشاركة في برامج إعادة الإعمار مستقبلاً، وخاصة في المناطق التي تتطلب دعم تقني لا عسكري·
🔹 ختاماً: خطوة محسوبة في ساحة متغيّرة
زيارة الوفد الهندي إلى دمشق تمثل أكثر من مجرد مبادرة دبلوماسية؛ إنها تعبير عن تبدل كبير في المشهد السوري، وانفتاح على لاعبين دوليين جدد في مرحلة ما بعد الأسد· كما أنها مؤشر على رغبة الهند في عدم ترك الساحة السورية بالكامل للنفوذ الروسي أو الصيني، بل إيجاد موطئ قدم مستقل، يُراعي مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة تزداد اشتعالاً بالتنافس الدولي·
ومع استمرار الحراك الدولي باتجاه دمشق، يُتوقع أن تكون الهند من الدول التي تراهن على الاستقرار السياسي في سوريا، لفتح أبواب تعاون بعيد المدى، في دولة لطالما كانت حلقة وصل بين آسيا والشرق الأوسط·
إقراء المزيد:
كاميرات المراقبة في درعا:الأمن الداخلي في درعا يحذر من تسريب تسجيلات كاميرات المراقبة
حل مجلس نقابة المحامين في سوريا وتشكيل مجلس مؤقت لتمهيد انتخابات جديدة
مبادرة المئوية السورية 2025: بيان وطني جامع أم محاولة للانقلاب الناعم؟
مسؤول في الخارجية السورية: لا تقدم في تنفيذ اتفاق آذار بين الحكومة السورية وقسد
وزارة الداخلية السورية تنفي إنشاء حساب لتلقي شكاوى الجرائم الإلكترونية