أخبار سياسية

رفع علم الاحتلال في السويداء: حادثة فردية أم انعكاس لتحوّل في الخطاب الاحتجاجي؟

رفع علم الاحتلال في السويداء: شهدت مدينة السويداء جنوب سوريا موجة توتر غير مسبوقة، بعد أن تم رفع علم الاحتلال الإسرائيلي في ساحة الكرامة، رمز الحراك المدني في المحافظة، وهو ما فجّر جدلاً حاداً في الأوساط الشعبية والسياسية السورية، وأثار أسئلة صعبة حول مستقبل الحراك، وطبيعة التيارات المتباينة التي باتت تتنازع رمزية المكان·

حادثة “فردية” أم اختراق رمزي؟

رغم أن ناشطين وفعاليات مدنية سارعوا إلى التنصل من الواقعة، واعتبروها سلوكاً فردياً لا يمثل الحراك الشعبي في السويداء، إلا أن آخرين حذروا من أنها قد تكون مؤشراً على اختراق حقيقي للبنية الرمزية والسياسية للاحتجاجات، ومحاولة لاستثمار الغضب الشعبي ضمن أجندات انفصالية أو خارجية·

الباحث السياسي الدكتور رضوان زيادة رأى في الحادثة “إهانة لرمزية ساحة الكرامة” مؤكداً أنها لا تمثل المزاج العام في السويداء، وأضاف في لقاء مع تلفزيون سوريا:

“لا يحق لعلم الاحتلال الإسرائيلي أن يُرفع بجانب صور رموز الثورة السورية… هذه الحادثة فردية ومشبوهة، ولن تحمي أحداً من أبناء السويداء، بل تفتح الباب أمام استغلالهم”·

التيارات المتنازعة على صوت السويداء

غير أن الخلاف لا يقتصر على تقييم الحادثة، بل يمتد إلى قراءة التحولات العميقة في بنية الحراك· الدكتور كمال عبدو، عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال، اعتبر أن التيار الطائفي أو الانفصالي بات اليوم “الصوت الغالب” في السويداء، وأن قوى الاعتدال والتقارب الوطني بدأت تتراجع، وقال:

“لو كان هناك تيار وطني حقيقي في السويداء، لكانت ردة الفعل على رفع العلم الإسرائيلي أقوى وأكثر وضوحاً”·

وحذر عبدو من أن “الصمت الشعبي” حيال الحادثة يعكس تغيراً في المزاج العام، مشيراً إلى أن إسرائيل بدأت تتعامل مع الطائفة الدرزية كـ”ورقة استراتيجية” ضمن مشروع تفتيت الدولة السورية، على حد تعبيره·

المعضلة: بين الهوية الدينية والانتماء الوطني

الجدل حول الحادثة أعاد تسليط الضوء على العلاقة المعقّدة بين الانتماء الطائفي والانتماء الوطني، وخاصة في مناطق يغيب فيها التمثيل السياسي العادل أو الشامل· واعتبر زيادة أن “تسييس الهوية الدينية هو الخطر الحقيقي”، داعياً إلى فصل المشيخة الدينية عن التمثيل السياسي للطائفة الدرزية·

ورأى أن شخصية دينية مثل الشيخ حكمت الهجري، التي باتت تُقدَّم كقائد سياسي ومرجعية شعبية، تُساهم في خلط الدين بالسياسة في لحظة دقيقة، وأضاف:

“بإمكانك أن تكون درزياً وسورياً ووطنياً في الوقت ذاته… المشكلة تبدأ عندما تُوظّف الطائفة كأداة سياسية”·

مخاوف من استغلال إسرائيلي متصاعد

تعليقات الدكتورين زيادة وعبدو تتقاطع عند نقطة مركزية: الخوف من تصاعد النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري، لا حباً بالدروز، بل سعياً إلى تمزيق النسيج السوري· وذهب عبدو إلى أبعد من ذلك حين قال:

“إسرائيل اليوم لا تخفي دعمها، بل تتدخل عسكرياً وسياسياً وتعمل على بناء حلفاء محليين… الهدف هو سوريا مجزأة لا مركز لها ولا سيادة”·

وأكد أن محاولات إسرائيل لفرض “رعاية طائفية” للدروز في الجنوب السوري تشكّل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين الدولة والمجتمع، داعياً إلى “تكاتف وطني واسع” لاحتواء هذه المخاطر·

ما العمل؟ بين الاحتواء السياسي وتجديد العقد الاجتماعي

رغم اختلاف التفسيرات، يتفق معظم المحللين على أن الحدث، وإن بدا معزولاً، يعبّر عن أزمة عميقة في العلاقة بين الدولة والمكوّن الدرزي، بل ويكشف هشاشة الخطاب الوطني في بعض المناطق الخارجة عن السيطرة المركزية·

وشدد الدكتور زيادة على أن الحل يكمن في “الانفتاح السياسي وإعادة بناء العقد الاجتماعي”، مشيراً إلى أن “الاحتجاجات، مهما كانت مبرّرة، قد تُختطف إن لم تتوفر بنية سياسية قادرة على تمثيلها”·

من جانبه، دعا الدكتور عبدو إلى “حوار وطني طويل الأمد لا يُقصي أحداً”، محذّراً من أن استبعاد التيارات المختلفة يزيد من حدة الانغلاق الطائفي، ويفتح المجال أمام التدخلات الإقليمية·

 

إقراء المزيد:

لجنة اقتصادية مشتركة بين سوريا وروسيا 2025: نحو شراكة استراتيجية جديدة

التوترات الطائفية السورية تمتد إلى ألمانيا·· انعكاسات الأزمة السورية في المهجر

الفراغ السياسي في الساحل السوري بعد سقوط الأسد

وفاة يوسف اللباد في دمشق: روايات متضاربة وتساؤلات بلا إجابات

رواتب موظفين في السويداء تتعرض لسطو مسلح يعيق عمليات الصرف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى