
روسيا تجلي أصولها العسكرية من سوريا وسط مراقبة بريطانية مشددة
شهدت الأيام الماضية تحركات روسية مكثفة لإجلاء أصولها العسكرية من سوريا، وذلك بعد الإطاحة برئيس النظام السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي. وأعلنت بريطانيا أنها تعقبت ست سفن روسية تحمل معدات وذخائر عسكرية أثناء مرورها عبر القنال الإنكليزي، ما أثار تساؤلات حول مستقبل الوجود الروسي في سوريا بعد التغيرات الأخيرة.
انسحاب تحت المراقبة البريطانية
وفقًا لوزارة الدفاع البريطانية، فإن البحرية الملكية وسلاح الجو الملكي راقبا هذه السفن عن كثب، وسط مؤشرات على أن موسكو تعيد تموضعها في المنطقة. ووصف بيان الوزارة هذه الخطوة بأنها “ضربة لطموحات روسيا في الشرق الأوسط”، خاصة بعد انهيار الحليف الأساسي لها في دمشق.
صرح جون هيلي وزير الدفاع البريطاني: ” ان هذه السفن كانت تنسحب من سوريا بعد تخلى بوتين عن حليفه الأسد، كانت لا تزال محملة بالذخائر و الأسلحة”. وأضاف أن “هذا يظهر أن روسيا باتت أضعف لكنها لا تزال تشكل تهديداً”، في إشارة إلى أن موسكو تحاول تقليص التزاماتها الخارجية بسبب أولوياتها في الحرب الأوكرانية.
التأثيرات المحتملة على النفوذ الروسي في سوريا
لطالما كانت سوريا ساحة نفوذ استراتيجية لموسكو، حيث تدخلت روسيا عسكريًا في عام 2015 لدعم نظام الأسد في مواجهة المعارضة المسلحة. وقد مكّنها هذا التدخل من إنشاء قواعد عسكرية مهمة، مثل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية على البحر المتوسط، مما منحها نقطة ارتكاز قوية في المنطقة.
لكن مع سقوط الأسد وفراره إلى موسكو، تواجه روسيا تحديًا جديدًا في الحفاظ على وجودها العسكري بسوريا. إذ إن الانسحاب الجزئي للقوات والمعدات يثير تساؤلات حول مدى التزام موسكو بالتحالف مع القيادة الجديدة في دمشق.
الموقف الروسي والصمت الرسمي
حتى الآن، لم تصدر السفارة الروسية في لندن أي تعليق رسمي حول هذه التطورات، وهو ما يعكس نهج الحذر الذي تتبعه موسكو في التعامل مع الملف السوري بعد التغيرات الأخيرة. ومع ذلك، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن موسكو تجري محادثات مستمرة مع الحكومة السورية الجديدة لضمان استمرار وجودها العسكري هناك.
وأضافت زاخاروفا أن “الوجود الروسي في سوريا جزء من اتفاقيات استراتيجية طويلة الأمد”، ما يشير إلى أن موسكو تسعى للحفاظ على موطئ قدم لها في البلاد حتى مع إعادة تموضع قواتها.
الانسحاب العسكري بين الضرورة والاستراتيجية
يرى محللون أن انسحاب روسيا من سوريا قد لا يكون بالضرورة تراجعًا عن النفوذ، بقدر ما هو خطوة تكتيكية لتخفيف الأعباء في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، والتي تستنزف الموارد العسكرية والاقتصادية لموسكو. كما أن استمرار العقوبات الغربية على روسيا أدى إلى تقليص قدرتها على دعم العمليات العسكرية الخارجية، مما دفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها.
وفي الوقت نفسه، قد تستفيد القوى الإقليمية الأخرى من تراجع النفوذ الروسي، مثل إيران وتركيا، اللتين تسعيان لتعزيز مواقعهما في سوريا وسط هذا الفراغ النسبي.
هل هو انسحاب نهائي؟
بينما يشير بعض المراقبين إلى أن روسيا ربما تسحب بعض معداتها وقواتها لإعادة استخدامها في أوكرانيا أو مناطق أخرى، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستتخلى تمامًا عن نفوذها في سوريا. فالوجود الروسي في البلاد كان دائمًا قائمًا على المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد، خاصة فيما يتعلق بقاعدة طرطوس البحرية التي تمنح موسكو منفذًا مهمًا إلى البحر المتوسط.
من جهة أخرى، يبدو أن موسكو تعتمد على حلول سياسية ودبلوماسية لضمان بقائها في سوريا، حيث تسعى إلى إقامة تفاهمات جديدة مع الحكومة السورية الجديدة حول مستقبل التعاون العسكري والاقتصادي.
خاتمة
يبقى السؤال الأهم: هل يشير الانسحاب الروسي إلى فقدان السيطرة على سوريا، أم أنه مجرد إعادة تموضع مؤقتة؟ لا تزال الإجابة غير واضحة، لكن ما هو مؤكد أن التوازنات في المنطقة تتغير، وأن روسيا باتت مضطرة للتكيف مع واقع جديد، سواء في سوريا أو على الساحة الدولية. ومع استمرار الصراع في أوكرانيا، قد تجد موسكو نفسها أمام تحديات أكبر تجعل من وجودها في سوريا أقل أولوية مما كان عليه في السابق.