
سوريا ما بعد الأسد.. صراع تركي – إسرائيلي على النفوذ
صراع تركي – إسرائيلي:في كانون الأول الماضي، طُويت صفحة طويلة من تاريخ سوريا الحديث بسقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من خمسين عاماً من حكم عائلة الأسد. جاء هذا السقوط على يد تحالف فصائل معارضة قادته “هيئة تحرير الشام”، وكان مفاجئاً لمعظم المراقبين، نظراً لرسوخ النظام وتمدده الأمني والعسكري طوال العقود الماضية.
تركيا: تعزيز النفوذ عبر الحليف الإسلامي
تُعد تركيا اليوم القوة الأكثر تأثيراً على الأرض السورية، خصوصاً بعد سيطرة هيئة تحرير الشام – حليف أنقرة غير المعلن – على محافظة إدلب منذ 2019. وقد دعمت أنقرة هذا الكيان بشكل غير مباشر عبر منطقة عازلة تحميه من قوات الأسد، وتتيح له إدارة شؤون المحافظة كأمر واقع.
وبعد إسقاط الأسد، بدأت تركيا مرحلة جديدة من توسيع النفوذ السياسي والعسكري، مدفوعة بأهداف واضحة:
-
تحجيم النفوذ الكردي في شمال شرق سوريا ومنع قيام أي كيان ذي طابع انفصالي على حدودها.
-
إعادة نحو 3 ملايين لاجئ سوري إلى “المناطق الآمنة” التي تسيطر عليها.
-
عقد شراكة أمنية مع النظام الجديد في دمشق، الذي يتزعمه أحمد الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام.
وتسعى تركيا من خلال هذه الخطوات إلى فرض أمر واقع يجعلها الراعي الأول لسوريا الجديدة، لا سيما بعد مساهمتها في دعم إعادة الإعمار وإدارة المناطق الخارجة عن سلطة النظام السابق.
إسرائيل: مواجهة الفراغ بمناطق نفوذ عازلة
في المقابل، ترى إسرائيل في سقوط الأسد فرصة استراتيجية نادرة، إذ لطالما اعتبرت تحالف النظام السابق مع إيران خطراً وجودياً، خصوصاً مع استخدام الأراضي السورية كممر للأسلحة إلى “حزب الله”.
وبدلاً من الترقب، شرعت إسرائيل منذ الأشهر الأولى لسقوط النظام في فرض وجود عسكري غير رسمي في جنوب سوريا عبر إنشاء مناطق عازلة، وضربات جوية متكررة استهدفت قواعد عسكرية ومخازن أسلحة. والهدف:
-
منع أي تهديد من الجنوب السوري.
-
التحكم بالمجال الجوي المجاور.
-
منع توغل تركي عسكري قد يدعم جماعات معادية لإسرائيل، خاصة مع تزايد نبرة الخطاب المعادي من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دعا في خطابه الأخير إلى “تدمير إسرائيل الصهيونية”.
صراع بين مشروعين.. لا حلفاء في الأفق
الخلاف بين أنقرة وتل أبيب ليس جديداً، لكن الوضع في سوريا عمّق الفجوة أكثر. فتركيا تنظر إلى سوريا بوصفها مجالاً استراتيجياً للتمدد السني المحافظ، بينما تخشى إسرائيل من أن يصبح ذلك التمدد منصة لاستهداف أمنها القومي.
وحتى وإن اتفقت الدولتان على ضرورة الحد من نفوذ إيران، إلا أن ذلك لا يشفع لاشتباك المصالح بينهما في الساحة السورية. فإسرائيل لا تثق بالتحول الإسلامي الذي تمثله هيئة تحرير الشام، فيما ترى تركيا في تل أبيب قوة احتلال يجب مواجهتها سياسياً وربما عسكرياً في حال تقاطعت المصالح مستقبلاً.
النظام السوري الجديد.. بين المطرقة والسندان
وسط هذا الصراع، يقف النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع على أرضية شديدة الهشاشة. فعلى الرغم من تبنيه خطاباً براغماتياً تجاه المجتمع الدولي، ورفضه التصعيد مع إسرائيل علناً، إلا أن تاريخه الجهادي يظل مصدر قلق حقيقي لدى تل أبيب، التي ترى فيه امتداداً لتنظيم القاعدة ولو بثوب جديد.
في المقابل، يعتمد الشرع بدرجة كبيرة على الدعم التركي سياسياً وأمنياً، ما يجعل من استقلال قراره الوطني أمراً مشكوكاً فيه حالياً. وهو ما يضعه في موقف دقيق بين محاولة استرضاء القوى الكبرى والحفاظ على شرعيته داخل البلاد.
خاتمة: مستقبل سوريا على المحك
سوريا ما بعد الأسد ليست دولة مستقلة بالمعنى الكامل، بل ميدان مفتوح لتصفية الحسابات الجيوسياسية بين جيرانها. وفي ظل غياب توافق دولي حول شكل النظام السياسي المقبل، سيظل النفوذ التركي – الإسرائيلي المتضاد عنوان المرحلة المقبلة.
وما لم تُستثمر هذه المرحلة في بناء مشروع وطني جامع يوازن بين النفوذ الخارجي والمصالح الوطنية، فإن سوريا قد تبقى لعقود رهينة لصراعات خارجية تقرر مستقبلها أكثر من أبنائها.
إقراء ايضا:
وفد من وجهاء السويداء يزور داريا والأمن العام يفرض سيطرته على أشرفية صحنايا
بعد اعتداء فصائل السويداء..مراسلون بلا حدود تطالب بحماية الصحفيين في سوريا
اجتماع في القنيطرة بين الأهالي وقائد قوات الأندوف بعد منعهم من الاقتراب من الحدود
إسرائيل تعلن رسمياً تنفيذ مهام داخل سوريا للمرة الأولى: تصعيد خطير وانتهاك للسيادة
وزير الاقتصاد يبحث مع مؤسسة التمويل الدولية تعزيز التعاون المالي ودعم التعافي الاقتصادي