
طلب سوري رسمي لدعم عسكري من تركيا: تحول استراتيجي في العلاقات بين أنقرة ودمشق
طلب سوري رسمي لدعم عسكري من تركيا: في خطوة لافتة تمثل تحولاً عميقًا في العلاقة بين أنقرة ودمشق، أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم الأربعاء، عن تلقيها طلباً رسمياً من الحكومة السورية لتعزيز القدرات الدفاعية للجيش السوري، وتقديم دعم في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم “داعش”·
هذا الإعلان يأتي في سياق متغيرات جذرية شهدتها الساحة السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر 2024، وصعود قيادة جديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع، تسعى إلى ترميم علاقاتها الإقليمية والدولية وإعادة بناء مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش·
التعاون الدفاعي: من التوتر إلى الشراكة
أوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي أكتورك، أن الطلب الذي تقدّمت به الحكومة السورية الجديدة يعكس رغبتها الجادة في إقامة شراكات أمنية متينة مع أنقرة، بهدف التصدي المشترك للتحديات التي تهدد استقرار وأمن البلدين. وأشار إلى أن تركيا باشرت فعلياً بتنفيذ خطوات عملية لتقديم الدعم الفني والاستشاري، إلى جانب برامج التدريب العسكري، وذلك بالتنسيق الكامل مع الجهات الرسمية السورية.
ووفقًا لمصادر من وزارة الدفاع التركية، فإن الهدف من التعاون يتمثل في تعزيز القدرات العملياتية للجيش السوري، وتطوير أنظمته الدفاعية والتكتيكية، بما يخدم جهود الاستقرار الداخلي في سوريا ويمنع عودة التنظيمات الإرهابية إلى الساحة·
مواجهة الإرهاب·· ودعم السيادة السورية
أكدت المصادر التركية أن أنقرة متمسكة بموقفها “الثابت” الداعم لوحدة وسلامة الأراضي السورية، وأن التعاون العسكري الجاري لا يستهدف أي طرف، بل يسعى إلى استعادة سوريا لسيادتها الكاملة وتمكين مؤسساتها الوطنية من التصدي للمخاطر المشتركة، وعلى رأسها الإرهاب·
ولفتت الوزارة إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على دمشق، والتي أدانتها تركيا بشدة، تزيد من التحديات الأمنية التي تواجه الدولة السورية الجديدة، خصوصًا مع تصاعد التوترات في مناطق الجنوب مثل محافظة السويداء، حيث تسود حالة من الاحتقان بين مكونات المجتمع المحلي والحكومة المركزية·
قسد تحت المراقبة·· وتنفيذ اتفاق الاندماج
من أبرز الملفات التي علّقت عليها وزارة الدفاع التركية كان اتفاق الاندماج بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، والذي تم توقيعه في 10 آذار 2025· وأشارت الوزارة إلى أنها تتابع هذا الاتفاق عن كثب، معتبرة أن أي مساهمة من قسد في عملية الاستقرار يجب أن تكون مشروطة بالتزام ملموس ببنود الاتفاق، وفي مقدمتها التخلي عن النزعة الانفصالية والانخراط الكامل في مؤسسات الدولة·
وأضافت وزارة الدفاع أن رؤية نتائج الاتفاق على الأرض سيكون عاملاً مهماً في تقييم مستقبل هذا المسار، مشيرة إلى أن وحدة الأراضي السورية وحقوق الدولة السيادية يجب أن تكون فوق كل اعتبار·
لقاءات عسكرية متصاعدة: من التنسيق إلى الشراكة
يُذكر أن الفترة الأخيرة شهدت سلسلة من الاجتماعات المكثفة بين القيادات العسكرية السورية والتركية، ما يعكس ديناميكية جديدة في العلاقات بين البلدين· وكان آخر هذه اللقاءات قد جرى على هامش معرض الصناعات الدفاعية “IDEF 2025” في تركيا، حيث اجتمع قائد القوى الجوية السورية العميد عاصم هواري مع رئيس الأركان التركي ميتين غوراك، في لقاء وصفته مصادر عسكرية بـ”الإيجابي والاستراتيجي”·
كما التقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة بنظيره التركي والوفد المرافق له في دمشق خلال شهر حزيران الماضي، في إطار تعزيز التنسيق الدفاعي وتوسيع نطاق التعاون العسكري والتقني·
تركيا تدعم إعادة بناء الجيش السوري
ضمن هذه التحولات، بدأت تركيا بتنفيذ برامج تدريب متقدمة تستهدف ضباط وجنود الجيش السوري، وتهدف إلى رفع كفاءتهم في الجوانب الفنية والعملياتية· وتشمل البرامج مجالات مثل إدارة العمليات البرية، الدفاع الجوي، الهندسة العسكرية، وتقنيات الاستطلاع الحديثة·
كما كشفت مصادر تركية عن نية أنقرة تزويد الجيش السوري بمنظومات دفاعية متطورة، وتجهيز قواعد عسكرية جديدة مجهزة تقنيًا، في مناطق مركزية من البلاد، بما يعزز قدرة الدولة السورية على حماية حدودها والسيطرة على أراضيها·
رؤية استراتيجية للمنطقة
تشدد تركيا على أن الهدف النهائي لهذا التعاون هو تحقيق سلام دائم في سوريا والمنطقة ككل· وبحسب وزارة الدفاع، فإن دعم استقرار سوريا يسهم في تقليص التهديدات الأمنية على حدود تركيا الجنوبية، ويمنع تدفقات اللاجئين غير النظاميين، كما يعزز من قدرة أنقرة على التأثير في مستقبل الترتيبات الإقليمية·
في المقابل، ينظر كثير من المحللين إلى هذا التحول في العلاقات السورية التركية بوصفه نقطة مفصلية في الخارطة السياسية للشرق الأوسط، حيث كانت أنقرة في السنوات السابقة من أشد خصوم النظام السوري، لكنها اليوم تتحول إلى شريك أمني وداعم عسكري للحكومة السورية الجديدة، في ظل مصالح مشتركة ومهددات متشابكة·
خاتمة
إن الطلب السوري الرسمي من تركيا لدعم القدرات الدفاعية يمثل تحوّلًا غير مسبوق في العلاقة بين الجارتين· فبعد سنوات من القطيعة والصدام، تدخل تركيا وسوريا اليوم مرحلة شراكة أمنية استراتيجية هدفها بناء جيش سوري قوي قادر على فرض الاستقرار، ومحاربة الإرهاب، والدفاع عن السيادة الوطنية·
هذا التعاون لا يعكس فقط تغيرًا في السياسة السورية، بل يعكس أيضًا إعادة تشكّل توازنات إقليمية قد تعيد رسم مستقبل المنطقة لعقود قادمة·
إقراء المزيد:
انقطاع الاتصالات في السويداء·· ووزارة الاتصالات توضح الأسباب وتعلن عن خطوات عاجلة
القبض على مجموعة مسلحة في طرطوس خططت لزعزعة الأمن في طرطوس
محاولة إشعال حرائق بريف اللاذقية·· ضبط مجموعة من فلول النظام المخلوع
إدارة أزمة أم هندسة مستقبل·· ما الدور الإقليمي في ملف السويداء؟
مقتل شاب برصاص قسد في البوكمال يُشعل الغضب الشعبي
لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري تكشف فظائع الانتهاكات وتوصي بمحاسبة المتورطين