أخبار سياسية

لبنان: ترسيم الحدود مع سوريا يتطلب وقتاً وتعاوناً فنياً وسياسياً

لبنان: ترسيم الحدود مع سوريا:في خطوة تحمل أبعاداً سياسية وتقنية بالغة الحساسية، أكد وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، أن عملية ترسيم الحدود مع سوريا تُعد من الملفات المعقدة وتتطلب وقتاً ودقة، مشدداً على ضرورة التعاون المشترك بين البلدين للوصول إلى نتائج واضحة وعادلة تخدم استقرار المنطقة.

وثائق تاريخية من فرنسا

وأوضح رجي، في مقابلة تلفزيونية، أن لبنان تسلّم من الحكومة الفرنسية وثائق وخرائط تاريخية تعود إلى فترة الانتداب الفرنسي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وذلك لدعم الجهود الجارية لضبط الحدود بين البلدين. وأكد أن هذه الوثائق تحمل طابعاً سرياً وتتضمن تحديدات فرنسية دقيقة للحدود، وقد تم الحصول عليها عقب زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى باريس ولقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.

أشار الوزير إلى أن الوثائق الكتابية اطّلع عليها شخصياً، بينما تحتاج الخرائط الجغرافية إلى تحليل تقني دقيق من قبل مختصين في الجغرافيا والخرائط. وقد تم تسليم هذه الوثائق إلى وزارة الدفاع اللبنانية التي أحالتها بدورها إلى الأجهزة الفنية المختصة لمتابعة دراستها وتحليلها.

استعداد سوري للتعاون

في تحول وصفه بالإيجابي، أكد يوسف رجي أن الحكومة السورية الجديدة أبدت استعدادها الكامل للتعاون مع لبنان في ملف ترسيم الحدود، وهو ما اعتبره مؤشراً غير مسبوق في العلاقات الثنائية. وأوضح أن التقدم في هذا الملف يتطلب تشكيل لجنة تقنية سورية-لبنانية مشتركة، وهو ما تعمل عليه بيروت حالياً بشكل مكثف.

وأضاف أن الجانب التقني من الترسيم لا يقل أهمية عن الجانب السياسي، مشيراً إلى أن دقة العمل الفني سترسم حدوداً واضحة تمنع التداخل وتُقلل من النزاعات، لا سيما في ظل وجود نقاط حدودية كثيرة تشهد اختلاطاً سكانياً وجغرافياً معقّداً.

أولوية وطنية لبنانية

شدّد وزير الخارجية اللبناني على أن ترسيم الحدود مع سوريا يُعد من أولويات الحكومة اللبنانية في المرحلة المقبلة، إلى جانب ملفات حيوية أخرى كأزمة اللاجئين السوريين والمفقودين اللبنانيين. ولفت إلى أن احترام الحكومة السورية الجديدة لسيادة لبنان وعدم التدخل في شؤونه يشكّل تطوراً مهماً في مسار العلاقات الثنائية.

وقال: “الحدود القوية تبدأ بدول قوية. نحن نعمل على تقوية دولتينا لأن ذلك ينعكس مباشرة على صلابة الحدود، ويقلّل من فرص التهريب والانتهاكات”.

التهريب وتحديات ضبط الحدود

من أبرز المشاكل التي تعاني منها الحدود السورية اللبنانية هي التهريب، سواء تهريب البشر أو المخدرات أو المحروقات. وفي هذا السياق، أشار رجي إلى أن الجيش اللبناني يبذل جهوداً كبيرة للحد من هذه الظاهرة، لكن الطول الكبير للحدود والتداخل الجغرافي بين البلدين يجعلان من عملية الضبط الكامل أمراً صعباً.

وأضاف أن عدداً من الدول الصديقة تدعم لبنان في تقنيات مراقبة الحدود، لكن ما زال الطريق طويلاً للوصول إلى آليات رقابة فعّالة بنسبة 100%. وأكد أن التقدم في ملف الترسيم من شأنه أن يسهم في الحد من التهريب بشكل كبير، خصوصاً مع تنامي التعاون الفني والأمني مع الجانب السوري.

علاقات ما بعد الأسد: مرحلة جديدة

في سياق متصل، تحدّث رجي عن طبيعة العلاقات بين لبنان وسوريا في المرحلة الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد، مؤكداً أن العلاقة السابقة لم تكن صحية، نظراً لاعتبار النظام السوري السابق لبنان دولة تابعة. وأشار إلى أن هذه النظرة أضعفت العمل المؤسساتي، وأدت إلى غياب تمثيل دبلوماسي فعّال بين البلدين وتجميد العديد من الملفات المشتركة.

واعتبر أن الخطاب الرسمي الجديد في سوريا، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بات أكثر احتراماً للخصوصية اللبنانية، وهو ما يفتح الباب لإعادة بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

أثر رفع العقوبات عن سوريا على لبنان

رأى وزير الخارجية اللبناني أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا سيكون له أثر إيجابي مباشر على الاقتصاد اللبناني، لاسيما في ما يتعلق بزيادة التبادل التجاري، وفتح معابر حدودية نشطة، وتسهيل حركة النقل والاستثمار.

وأضاف أن تحسن الأوضاع في سوريا، لا سيما اقتصادياً، سيساهم أيضاً في تقليل معدلات التهريب ويقلل من الضغوط الحدودية، مشيراً إلى أن بيروت تنظر إلى استقرار سوريا باعتباره جزءاً من أمنها القومي.

لحظة سياسية يجب اغتنامها

في ختام حديثه، دعا رجي إلى اغتنام هذه اللحظة السياسية الإيجابية من أجل وضع أُسس راسخة للتعاون بين بيروت ودمشق. وأكد أن تشكيل لجنة ترسيم حدود مشتركة سيكون حجر الزاوية في بناء علاقات شفافة ومستقرة، موضحاً أن لدى لبنان الإرادة والقدرة على إتمام هذا الملف بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.

وأضاف: “ترسيم الحدود ليس فقط مسألة تقنية أو سياسية، بل هو شرط أساسي لبناء ثقة جديدة بين دولتين جارتين ترتبطان بتاريخ طويل ومعقد، وآن الأوان لتصحيح مسار هذه العلاقة بطريقة متوازنة وعصرية”.

إقراء ايضا:

ترمب: لا أعلم إن كانت سوريا ستطبّع مع إسرائيل.. لكنني قررت رفع العقوبات عنها

أزمة الإيجارات القديمة في سوريا.. حقوق ضائعة ولجنة صامتة

وزارة الإعلام تنفي محاولة اغتيال الرئيس أحمد الشرع خلال زيارته إلى درعا

الرئيس الشرع يستقبل المبعوث الأممي غير بيدرسون ويبحثان تطورات المسار السياسي في سوريا

في أولى خطوات الدمج الميداني.. معاون وزير الداخلية يتفقد مراكز الامتحانات في الحسكة والقامشلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى