ليث البلعوس وكمال جنبلاط… مساران متباعدان يلتقيان في الموقف العروبي
ليث البلعوس وكمال جنبلاط:منذ عقود، تعمل إسرائيل بدعم غربي على إعادة تشكيل خريطة المشرق العربي، عبر إذكاء الانقسامات الطائفية والعرقية، ودعم قوى محلية تسهّل تفتيت الدول والسيطرة على ثرواتها· وما تشهده سوريا اليوم ليس إلا امتدادًا لهذا المخطط، الذي لا يواجهه إلا شخصيات تملك موقفًا وطنيًا صلبًا، على غرار ما مثّله في الماضي الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، وما يحاول أن يجسده اليوم الشاب السوري ليث البلعوس في السويداء·
كمال جنبلاط… زعامة بحجم المشرق
وُلد كمال جنبلاط عام 1917 في بلدة المختارة بلبنان، وسط بيت سياسي عريق· منذ بداياته، انحاز إلى القضايا العربية الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، رافضًا أي تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي· أسس الحزب التقدمي الاشتراكي عام 1949، وكان من أبرز وجوه الحركة الوطنية اللبنانية، وداعمًا للمقاومة الفلسطينية·
دخل معترك السياسة وزيرًا ونائبًا، ثم قاد معارضة شرسة ضد الفساد والطائفية والأحلاف الاستعمارية· ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، اصطف إلى جانب الفلسطينيين في مواجهة الميليشيات الانعزالية المدعومة إسرائيليًا، ورفض التدخل العسكري السوري بقيادة حافظ الأسد في لبنان·
انتهت مسيرته في 16 آذار 1977، حين اغتيل في كمين اتُّهمت المخابرات السورية بالتخطيط له، ليبقى اغتياله علامة فارقة في تاريخ الصراع اللبناني–السوري–الإسرائيلي·
وحيد البلعوس… صوت الكرامة في السويداء
في سوريا، ومع بدايات الثورة عام 2011، حاول النظام جرّ البلاد إلى مواجهة طائفية· في السويداء، برز الشيخ وحيد البلعوس مؤسس “حركة رجال الكرامة” عام 2012، داعيًا إلى تحييد أبناء المحافظة ورفض إرسالهم للقتال دفاعًا عن النظام، مع التمسك بحماية الأرض وأهلها·
رفع البلعوس صوته ضد الانتهاكات الأمنية ورفض الخدمة الإلزامية، وواجه محاولات النظام لاختراق السويداء· اغتيل في أيلول 2015 في تفجير اتُّهمت أجهزة المخابرات بالوقوف خلفه، ليتحوّل إلى رمز محلي للموقف المستقل والرافض للوصاية·
ليث البلعوس… إرث الأب وخيار الدولة
تأثر ليث البلعوس بمسيرة والده، وشارك في الحراك المحلي بين 2012 و2015· ومع موجة الاحتجاجات الجديدة في السويداء عام 2023، أعاد تفعيل “قوات شيخ الكرامة”، مؤكدًا على سلمية الحراك ورفض أي تدخل إسرائيلي أو انزلاق نحو حرب طائفية·
بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، وصل إلى دمشق وشارك في لقاءات مع الرئيس أحمد الشرع، مؤسسًا “مضافة الكرامة” لتجنيد أبناء الطائفة في أجهزة الأمن والجيش ضمن إطار الدولة السورية الجديدة·
رغم تعرضه لمحاولات اغتيال، استمر في لعب دور الوسيط بين الحكومة ومشايخ السويداء، في مواجهة الشيخ حكمت الهجري الذي دعا علنًا لتدخل إسرائيلي في أحداث تموز 2025، ما أدى إلى تصعيد دموي وانتهاكات بحق المدنيين·
خطّ مشترك… وواقع مختلف
كمال جنبلاط في لبنان وليث البلعوس في السويداء ينتميان إلى سياقين مختلفين:
جنبلاط كان زعيمًا ذا تأثير إقليمي واسع، يقود حزبًا سياسيًا مؤسسيًا·
البلعوس يتحرك ضمن بيئة محلية محدودة، لكن بموقف وطني واضح ضد تحويل الدروز إلى أداة بيد المحتل الإسرائيلي·
كلاهما يرفض أن تكون الطائفة ورقة في يد قوى خارجية، وكلاهما يربط مصيرها بالانتماء العربي الأوسع· لكن بينما قاد جنبلاط مواجهة سياسية وعسكرية واسعة ضد إسرائيل وحلفائها، يتحرك البلعوس في مساحة أكثر حذرًا، محاولًا الموازنة بين خصوصية السويداء ومتطلبات وحدة الدولة السورية·
خلاصة
منذ خمسينيات القرن الماضي، تسعى إسرائيل لفصل الدروز عن محيطهم العربي، لكنها تصطدم دائمًا بشخصيات تضع الانتماء الوطني فوق الطموحات الضيقة· وكما شكّل كمال جنبلاط جدارًا أمام هذه السياسات في لبنان، يحاول ليث البلعوس اليوم أن يلعب دورًا مشابهًا في سوريا، وإن كان الطريق أمامه أطول وأكثر تعقيدًا·
