
ماذا بعد رفع العقوبات جزئياً عن سوريا؟ تحليل مجلس الأطلسي لتغيّر السياسة الأميركية
ماذا بعد رفع العقوبات جزئياً عن سوريا؟ في تحول مفاجئ وُصف بأنه “جريء وغير مسبوق”، بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أولى خطوات تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، بإعلان إعفاءات مالية وتجارية مؤقتة في 23 أيار/مايو 2025. خطوة مثيرة للجدل أعادت سوريا إلى واجهة النقاشات الدولية، وأطلقت موجة من الأسئلة حول مستقبل الاقتصاد السوري والعلاقات الأميركية – السورية.
في هذا السياق، نشر مجلس الأطلسي (Atlantic Council) تحليلاً موسّعاً تناول فيه أبعاد هذا التحول، مشيراً إلى أن هذه الانفراجة الجزئية ما تزال مشروطة وتتطلب إصلاحات أعمق، سواء من الجانب الأميركي أو السوري.
واشنطن تبدأ بالتراجع المشروط: وعد ترمب يدخل حيّز التنفيذ
أعلنت وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين قرارات تضمنت إعفاءات مؤقتة تهدف إلى تسهيل بعض الأنشطة التجارية والمالية في سوريا. وجاء ذلك انسجاماً مع تعهد ترمب في 13 أيار/مايو الجاري بوقف العقوبات، ما فتح الباب أمام إمكانية تخفيف أوسع للعقوبات، شرط تحقّق تقدم ملموس على الأرض.
ورغم رمزية هذه الخطوة، يؤكد مجلس الأطلسي أن الطريق لا يزال طويلاً، وأن تخفيف العقوبات لن يكون مستدامًا ما لم تواكبه خطوات هيكلية تعالج أوجه القصور في النظام المالي السوري.
عودة تدريجية إلى الاقتصاد العالمي.. بشروط صارمة
تشير التحليلات إلى أن هذه الإعفاءات تهدف لإعادة ربط النظام المصرفي السوري بالنظام المالي العالمي، من خلال:
-
إصدار الترخيص العام رقم 25 من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).
-
إعفاء مؤقت من قانون قيصر لمدة 180 يوماً.
-
إعفاء استثنائي من المادة 311 من قانون “باتريوت” الأميركي لصالح المصرف التجاري السوري، لتيسير عملياته الدولية.
لكن كل هذه الإجراءات ما تزال مؤقتة وقابلة للتراجع في أي لحظة، ما يجعلها أشبه باختبار نوايا وليس تحولاً استراتيجياً كاملاً.
سوريا لا تزال تحت المراقبة الدولية: القائمة الرمادية مستمرة
رغم الإعفاءات، تواصل سوريا تصدّر “القائمة الرمادية” الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF) بسبب:
-
ضعف أنظمة مكافحة غسل الأموال.
-
نشاط تهريب الكبتاغون.
-
فساد مؤسسات الدولة.
-
استمرار مخاوف تمويل الإرهاب.
إضافة إلى ذلك، لا تزال سوريا مدرجة كـ”دولة راعية للإرهاب”، ما يضعها في موقع حساس قانونياً أمام القضاء الأميركي ويعقّد علاقاتها التجارية الدولية.
العقوبات المتبقية: حواجز سياسية واقتصادية
حتى بعد إعلان الإعفاءات، لا تزال العقوبات المفروضة تشمل:
-
القيود على التصدير.
-
تجميد أصول شخصيات بارزة في الحكومة السورية المؤقتة.
-
العقوبات الأممية.
-
تجريم تقديم أي دعم مادي لتنظيمات مصنّفة “إرهابية” تعمل داخل سوريا.
ما الذي يجب على واشنطن فعله بعد هذه الخطوة؟
يدعو مجلس الأطلسي إدارة ترمب إلى:
-
إصدار توجيهات قانونية واضحة حول القيود المفروضة حالياً، لتجنّب الالتباس لدى الشركات والمنظمات الإنسانية.
-
العمل مع الكونغرس لتحديث القوانين بما يتناسب مع الواقع السوري الجديد بعد سقوط نظام الأسد.
-
التعاون مع الحلفاء لتقييم العقوبات الأممية بناءً على المستجدات.
-
تقديم خارطة طريق للإعفاءات المستقبلية تشمل إجابات عن الأسئلة المتكررة، وتوضيح السياسة الجديدة تجاه سوريا.
-
إطلاق برامج دعم للإصلاح الاقتصادي تشمل إعادة تأهيل القطاع المالي، ومنح تراخيص إضافية لأنشطة اقتصادية حيوية.
خلاصة: خطوة أولى في طريق طويل
رغم أهمية التحول الأميركي، إلا أن الإعفاءات المؤقتة لا تمثل رفعاً شاملاً للعقوبات، بل بداية اختبار لمدى استعداد سوريا والداعمين الدوليين للمضي في عملية سياسية واقتصادية معقدة.