
أزمة الإيجارات القديمة في سوريا.. حقوق ضائعة ولجنة صامتة
أزمة الإيجارات القديمة في سوريا: على مدار عقود، لم يكن العقار في سوريا مجرد ملكية قابلة للتداول، بل تحوّل إلى أداة بيد السلطة لإدارة توازناتها الاجتماعية والاقتصادية. وضمن هذا السياق، شكّل “قانون الإيجار القديم” أو ما يُعرف بـ”التمديد الحكمي”، أحد أبرز أوجه الخلل البنيوي الذي عطّل سوق العقارات، وجرّد آلاف المالكين من حقهم في التصرف بممتلكاتهم، لصالح مستأجرين يدفعون مبالغ رمزية لا تعكس الواقع الاقتصادي ولا السوق العقارية.
قوانين استثنائية تحوّلت إلى ظلم مزمن
تعود جذور الأزمة إلى منتصف القرن العشرين، حين تم إصدار قوانين استثنائية لحماية المستأجرين في مواجهة الأزمات الاقتصادية وموجات النزوح. لكن مع مرور الوقت، تحوّلت هذه القوانين إلى أمر واقع دائم، تديره السلطة بشكل انتقائي، فتستفيد منه بعض الجهات المقربة وتُقصى أخرى، ما جعل المالكين شهوداً على مصادرة أملاكهم بقوة القانون.
ورغم التغيّرات الكبيرة في المشهد العمراني والاقتصادي، ظل القانون العقاري جامداً، عاجزاً عن مواكبة التحولات، حيث تم الاكتفاء بتعديلات شكلية لم تمس جوهر الأزمة.
بعد سقوط النظام: عودة الملف إلى الواجهة
مع نهاية مرحلة النظام السابق، عادت قضية الإيجار القديم إلى الواجهة بوصفها من أبرز تحديات العدالة الاجتماعية والتشريعية. إذ يطالب كثير من المالكين باسترداد ممتلكاتهم، في حين يخشى المستأجرون من فقدان مأواهم في ظل غياب حلول متوازنة.
ويبرز التحدي في صياغة قانون جديد يوازن بين حقوق المالكين التاريخية وحق السكن، ويعيد الاعتبار للقانون كأداة لتحقيق العدالة وليس لتكريس الظلم.
محمد عثمان: ورثت الظلم عن والدي
من بين الأصوات التي برزت في هذا الملف محمد ربيع عثمان، الذي أطلق سلسلة من الوقفات الاحتجاجية أمام وزارة العدل في دمشق، منادياً بإنهاء “التمديد الحكمي” وإنصاف المتضررين من قانون الإيجار القديم.
يمتلك عثمان عقارًا كبيرًا في شارع بغداد بدمشق، مؤجّر منذ عام 1967 لصالح جهة حكومية، مقابل بدل سنوي لا يتجاوز أربعة ملايين ليرة سورية، رغم أن موقع العقار يُعد من أكثر المناطق حيوية في العاصمة.
ويقول: “الجهة التي تستولي على عقاري هي نفسها التي تشتكي من اغتصاب أرضها، لكنها تمارس الفعل ذاته بحقي”، مؤكداً أن هذه القوانين “اغتصبت الملكية الخاصة شرعياً”.
قضاء معطَّل ولجنة حكومية جديدة
في 12 حزيران 2025، أعلنت وزارة العدل عن تشكيل لجنة مختصة لدراسة التشريعات العقارية المتعلقة بالإيجارات القديمة، في محاولة لمعالجة هذا الملف المزمن. اللجنة ضمت قضاة وممثلين عن جهات حكومية، وكُلّفت بوضع مقترحات جديدة تضمن التوازن بين المؤجّرين والمستأجرين.
لكن المالكون لا يزالون يشكون من تأخّر تنفيذ الأحكام القضائية، واتهامات بالتحيّز ضدهم. فطارق الرباط، أحد المتضررين، يقول إن عقاره المؤجّر منذ الستينيات لا يدر عليه سوى 800 دولار سنوياً، مشيراً إلى أنه فشل في استرداده عبر القضاء بسبب ما وصفه بـ”فساد المنظومة القضائية وانحيازها للمستأجرين”.
عقارات مجمّدة وسوق مختلة
يؤكد الرباط أن بقاء عدد كبير من العقارات القديمة خارج التداول، تسبب في ارتفاع حاد بأسعار الإيجارات في السوق الحرة، بسبب الخلل الذي أحدثه القانون. ويقترح تطبيق تعديلات تدريجية خلال عام واحد، مع تخمين واقعي لبدل الإيجار، وإنهاء التمديد الإجباري.
كما كشفت مصادر من مجلس الشعب أن الحكومة بدأت بالفعل إخلاء بعض العقارات الخاضعة لقانون الإيجار القديم، من ضمنها مقرات جامعية وحزبية، وشقق سكنية كانت بيد شخصيات نافذة، وهو ما عده البعض بداية حقيقية لإصلاح الملف.
فايز قصيباتي: المستأجر أصبح المالك الفعلي
يقول فايز قصيباتي إن منزل عائلته في حي الروضة بدمشق، المؤجّر منذ عام 1964، لا يزال يشغله ورثة المستأجر الأصلي، رغم انتهاء العقد وموت المستأجر. ويضيف: “تصرفوا كما لو أنهم المالك الشرعي، بينما نحن لم ننجح طوال سنوات في استعادة حقنا بسبب عراقيل قضائية وانحياز واضح”.
وأكد أن المبلغ الذي حدّده القانون كبدل إيجار لا يتناسب أبداً مع أسعار السوق، مطالباً بحلول قانونية شجاعة تُنهي معاناة آلاف العائلات.
الإيجار القديم.. تحدٍ للتشريع والعدالة
بين الحقوق القانونية للمالكين والواقع المعيشي للمستأجرين، يقف قانون الإيجار القديم على مفترق طرق. فمع استمرار الضغط الشعبي وتصاعد المطالبات بتعديله، تبرز الحاجة إلى صياغة قانون جديد يعالج المظالم القديمة دون أن يخلق مظالم جديدة، ويعيد للعقار دوره الطبيعي بوصفه ملكية خاصة لا يمكن مصادرتها باسم القانون.
إقراء المزيد:
سوريا ونظام سويفت.. تحديات العودة إلى النظام المالي العالمي
غارة بريطانية بطائرة مسيرة تقتل عنصراً من “داعش” قرب سرمدا شماليّ سوريا
زيارة غير معلنة: وزير خارجية أبخازيا يلتقي نظيره السوري في دمشق
جامعة سورية – تركية مشتركة: خطوة جديدة لتعزيز التعاون العلمي بين البلدين