
إحالة 87 قاضياً من “محكمة الإرهاب” السورية للتحقيق في قضايا تعسفية
إحالة 87 قاضياً، محكمة الإرهاب السورية:في خطوة غير مسبوقة، أصدر وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال السورية، شادي الويسي، قراراً بإحالة 87 قاضياً سابقاً من “محكمة الإرهاب” التابعة للنظام السوري إلى التحقيق. هذا القرار يأتي في وقت حساس حيث تسعى الجهات القضائية السورية إلى محاسبة القضاة الذين أصدروا أحكاماً تعسفية وغير قانونية بحق الآلاف من السوريين، بما في ذلك أحكام الإعدام.
إحالة القضاة للتحقيق: خلفية القرار
يرتبط القرار الصادر عن وزير العدل بالتحقيق مع 87 قاضياً كانوا يعملون في محكمة الإرهاب منذ تأسيسها عام 2012 حتى تاريخ توقفها بعد انهيار النظام السوري في الفترة الأخيرة. هؤلاء القضاة يشملهم التحقيق حول ما أصدروا من أحكام خلال فترة عملهم في المحكمة التي كانت تتخذ من مبنى وزارة العدل في حي المزة بدمشق مقراً لها.
هذه المحكمة كانت قد تم إنشاؤها استجابة لقانون رقم 22 الذي أقره النظام السوري في عام 2012، بهدف محاكمة الأفراد المتهمين بالإرهاب في ظل الظروف الاستثنائية التي نشأت نتيجة للحرب الأهلية السورية. إلا أن التحقيقات تركز حالياً على توجيه الاتهام إلى القضاة المتورطين في إصدار أحكام جائرة بحق المعارضين للنظام السوري في الداخل والخارج، وهي أحكام تراوحت ما بين السجن المؤبد والإعدام.
القضاة المشمولين بالتحقيق
يشمل قرار وزير العدل القضاة الذين شغلوا مناصب هامة في “محكمة الإرهاب”، مثل رئيس مجلس الدولة عبد الناصر الضللي الذي كان يشغل منصب مستشار في غرفة الإرهاب بمحكمة النقض، بالإضافة إلى قضاة آخرين شغلوا مناصب رئيسية في النظام القضائي السوري مثل:
- القاضي عابد حسن، رئيس محكمة الجنايات الأولى في دمشق.
- القاضي سامر مخائيل عيد، رئيس محكمة الاستئناف المدنية.
- القاضي نزار إسماعيل، رئيس محكمة الجنايات المالية.
- القاضي ميمون عز الدين، رئيس محكمة استئناف الجنح.
- القاضي وسام يزبك، عضو المحكمة الدستورية العليا.
كذلك تم إدراج قضاة متقاعدين في هذا التحقيق مثل القاضي كامل عويس الذي كان يشغل رئيس غرفة الإرهاب في محكمة النقض، والقاضي محيي الدين حلاق، الذي كان مستشاراً في ذات الغرفة. هؤلاء القضاة ما زالوا يشغلون مناصب مهمة في الأجهزة القضائية والعدلية السورية.
أحكام محكمة الإرهاب: انتهاك لحقوق الإنسان
تعد محكمة الإرهاب في سوريا من أكثر المحاكم إثارة للجدل في تاريخ البلاد الحديث. خلال سنوات الثورة، كانت المحكمة تُستخدم أداة من قبل النظام السوري في مواجهة المعارضين، حيث تم إصدار آلاف الأحكام القاسية بحق الأشخاص بسبب آرائهم السياسية فقط، أو بسبب اتهامات مبنية على تقارير كيدية من الأجهزة الأمنية.
وقد أصدرت المحكمة أحكاماً بالإعدام بحق العديد من المعارضين للنظام السوري سواء داخل البلاد أو خارجها. بالإضافة إلى ذلك، أصدرت المحكمة العديد من الأحكام التي قضت بحجز أموال وأملاك المعارضين في الداخل والخارج، مما عرضهم للحرمان من حقوقهم المادية والمعنوية. كان الهدف من هذه الإجراءات هو تصفية المعارضة وإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير في ظل حكم الأسد.
وقد أكد تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن محكمة الإرهاب كانت أداة لتصفية الحسابات السياسية. وأضاف التقرير أن محكمة الإرهاب لم تقتصر على محاكمة الأشخاص في الداخل، بل شملت أيضاً معارضين خارج سوريا الذين لم يتسنى لهم الدفاع عن أنفسهم في هذه المحاكمات.
التشكيك في عدالة المحكمة
منذ تأسيسها، كانت محكمة الإرهاب محل انتقاد من قبل العديد من المنظمات الحقوقية، حيث اعتبرت هذه المحكمة بمثابة “فرع أمن جديد” يعمل تحت غطاء قانوني. تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” أكد أن قانون 22 الذي أقرته الحكومة السورية لم يُحدد بشكل واضح ماهية الجرائم الإرهابية أو كيفية محاكمة المتهمين. كما أشار التقرير إلى أن الاعترافات التي كانت تُنتزع تحت التعذيب كانت تُستخدم كأدلة في محاكمات “الإرهاب”، مما يجعل المحاكمات غير عادلة وغير شفافة.
وكان من أبرز النقاط التي أثارت القلق هو تعريف “الإرهاب” في القانون السوري. إذ أن أي فعل يمكن أن يُعتبر إرهابياً بناءً على تفسير النظام. وهذا التفسير الفضفاض كان يفتح المجال لتوجيه اتهامات كيدية للأفراد الذين يُعتبرون تهديداً للنظام.
ما هي العدالة الانتقالية في هذا السياق؟
من المفترض أن يكون التحقيق مع القضاة الذين عملوا في “محكمة الإرهاب” جزءاً من العدالة الانتقالية في سوريا. هذه العملية تهدف إلى معالجة الانتهاكات المرتكبة خلال النزاع السوري عبر محاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، وهو ما يهدف لتحقيق نوع من العدالة للضحايا الذين عانوا من الظلم والاضطهاد.
لكن السؤال يظل قائماً: هل ستكون هذه التحقيقات بداية لعملية حقيقية للعدالة؟ هناك شكوك حول ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد تحرك شكلي من قبل النظام السوري، أو أنها ستؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض.
ردود الفعل الدولية والمحلية
لقد قوبل قرار التحقيق مع القضاة بموجة من التفاؤل الحذر من قبل منظمات حقوق الإنسان والناشطين السوريين. من جانبهم، اعتبر العديد من الحقوقيين أن هذه الخطوة قد تُمثل بداية لمحاسبة المتورطين في الانتهاكات التي ارتُكبت ضد الشعب السوري طوال سنوات الحرب. لكن هناك من يرى أن التحقيقات قد تكون محدودة التأثير إذا لم تُتخذ خطوات أخرى حاسمة نحو محاكمة القادة العسكريين والسياسيين المتورطين في جرائم الحرب.
الختام: هل تحقق سوريا العدالة؟
إحالة 87 قاضياً، محكمة الإرهاب السورية:تظل العدالة في سوريا حلماً بعيد المنال بالنسبة للكثيرين، خاصة بعد سنوات من القمع والانتهاكات. ورغم أن قرار إحالة القضاة للتحقيق يُعد خطوة إيجابية، فإن مدى تأثيرها على مستقبل العدالة في البلاد يظل غامضاً. في النهاية، سيظل الشعب السوري ينتظر تحقيق العدالة الانتقالية الشاملة، التي تضمن محاسبة جميع المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت ضدهم، ومنهم القضاة الذين شكلوا جزءاً من آلة القمع والظلم في محكمة الإرهاب.