أخبار محلية

احتجاجات القصر العدلي في حلب تفضح أزمة العدالة الانتقالية في سوريا

احتجاجات القصر العدلي في حلب:شهد مبنى القصر العدلي في مدينة حلب، يوم الإثنين، احتجاجات غير مسبوقة قادها عشرات القضاة والمحامين، تعبيراً عن تضامنهم مع القاضي أحمد حسكل، المعروف إعلامياً بـ”قاضي الإرهاب”، بعد مشادة كلامية وجسدية وقعت بينه وبين رئيس قسم شرطة مخفر الصالحين، على خلفية اتهامات بتصرفات “غير لائقة” صدرت عن القاضي بحق عناصر دورية أمنية.

الواقعة أثارت موجة من الجدل في الأوساط القضائية والحقوقية، وأعادت إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية في سوريا ما بعد الثورة: ملف العدالة الانتقالية، وتطهير المؤسسات من رموز النظام السابق.

تضامن داخلي.. وغضب شعبي

ورغم أن القضاة المحتجّين برروا تحركهم بالدفاع عن استقلال السلطة القضائية، إلا أن مشاركة عدد كبير من القضاة المعروفين بقربهم من النظام السابق، ومن بينهم القاضي حسكل نفسه الذي قال في تسجيل متداول: “أنا قاضي إرهاب منذ 2010″، أثار حفيظة قطاعات واسعة من المجتمع المدني وناشطين حقوقيين يرون في هذا النوع من الاحتجاجات محاولة للالتفاف على مطلب أساسي في أي مرحلة انتقالية: المحاسبة.

يُذكر أن حسكل تولى منصب قاضي “محكمة الإرهاب” خلال سنوات الثورة الأولى، ويُتهم بالمشاركة في إصدار أحكام اعتقال وإعدام بحق نشطاء ومحتجين، ما يجعل مسألة الدفاع عنه مسألة شائكة أخلاقياً وقانونياً في آن.

دعوات لتطهير القضاء

المحامي عبدو فاروق عبد الغفور اعتبر أن ما جرى هو انعكاس مباشر لفشل السلطات حتى الآن في تنفيذ خطوات حقيقية نحو العدالة الانتقالية. وقال: “لا يمكن بناء دولة قانون بينما لا يزال القضاة الذين شاركوا في قمع الثورة يحتلون مواقع حساسة في مؤسسات الدولة”.

وأضاف أن تجاهل ملف العزل السياسي والإداري في القطاعات القضائية والإعلامية والأمنية، أنتج شعوراً متنامياً باللاعدالة لدى المواطنين، ما يدفعهم في أحيان كثيرة إلى خيارات فردية لتحصيل حقوقهم، وهو أمر يهدد استقرار المجتمع برمّته.

مطالب بإعادة هيكلة القضاء

من جانبه، شدد المحامي كامل اطلي، مسؤول “رابطة المحامين بحلب”، على ضرورة إقالة كل من ثبت تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان، وفتح ملف “تطهير القضاء” بشكل عاجل. وقال: “ما جرى في القصر العدلي اليوم هو نتاج تراكمات من السكوت عن تورط بعض القضاة في إرساء منظومة استبدادية تابعة للأسد”.

ودعا اطلي إلى تشكيل لجنة مستقلة لمراجعة ملفات القضاة المعينين قبل عام 2011، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في قضايا تعذيب أو محاكمات غير عادلة، تمهيداً لإعادة الثقة بين المواطنين والقضاء.

ردود فعل حقوقية

الناشط الحقوقي عمر محمد عمر وصف المشهد بأنه “تعبير صريح عن غياب المساءلة”، مشدداً على أن بقاء شخصيات مثل حسكل في مواقعها يرسل رسائل سلبية للسوريين الذين نادوا بالحرية والكرامة، ولا سيما عائلات الضحايا.

وأضاف في بيان خاص: “العدالة الانتقالية ليست خياراً سياسياً بل ضرورة مجتمعية. لا يمكن أن تطلب من الشعب بناء وطن جديد بينما رموز الماضي القمعي ما زالوا يتصدرون المشهد”.

بين مطالب التغيير والتشبث بالمواقع

الحادثة التي بدأت كمشادة بين قاضٍ وضابط شرطة، كشفت عمق الانقسام داخل مؤسسات الدولة السورية الجديدة. ففي الوقت الذي تُبذل فيه جهود لإعادة بناء أجهزة الدولة على أسس ديمقراطية وقانونية، لا تزال بعض القوى تحاول الاحتفاظ بمواقعها مستندة إلى توازنات قديمة، أو تحالفات جديدة لم تُحسم بعد.

ويقول مراقبون إن حادثة القصر العدلي، ورغم رمزيتها، قد تفتح الباب أمام مناقشات جادة حول الإصلاح القضائي، خصوصاً في ظل تسريبات عن نية الحكومة المؤقتة إطلاق سلسلة من الإجراءات لإعادة هيكلة السلطة القضائية، ضمن إطار العدالة الانتقالية.


إقراء ايضا:

وفد كردي يستعد لزيارة دمشق: “اللامركزية التعددية” شرط لا تفاوض عليه

مشروع مدينة طبية متكاملة في ريف دمشق.. شراكة بين “التعليم العالي” و”SAMS”

فرنسا تؤكد دعمها لـ الخوذ البيضاء بعد مقتل 3 متطوعين بانفجار لغم في ريف حماة

المبعوث الأميركي: تقسيم سوريا خطأ تاريخي وسقوط الأسد يفتح طريق السلام الإقليم

طرطوس: افتتاح محطة مياه جديدة لخدمة أكثر من 100 ألف نسمة بعد إعادة تأهيلها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى