
استحداث مديريتين إعلام في الرقة والحسكة
استحداث مديريتين إعلام في الرقة والحسكة:في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد من الغياب المؤسسي، أعلن وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، عن استحداث مديريتي إعلام جديدتين في محافظتي الرقة والحسكة، على أن تتولى مديرية إعلام دير الزور إدارة هاتين المديريتين بشكل مؤقت، إلى حين استكمال البنية التحتية وتوفير الظروف المناسبة لانطلاق عملهما بشكل مستقل.
جاء هذا الإعلان خلال اجتماع رسمي عقده الوزير في محافظة دير الزور، تناول فيه واقع الإعلام المحلي في المنطقة الشرقية من البلاد، والصعوبات التي تواجه الكوادر الصحفية والفنية، في ظل تحديات تتعلق بضعف الإمكانات المادية، وقلة التدريب، ومحدودية التنسيق بين المؤسسات الإعلامية والجهات الرسمية.
إعادة تموضع إعلامي بعد سنوات من التهميش
تمثل هذه الخطوة تحولًا استراتيجيًا في سياسة وزارة الإعلام السورية، التي تسعى فيما يبدو إلى توسيع حضورها المؤسساتي في مناطق كانت شبه مغيبة إعلاميًا خلال السنوات الماضية، نتيجة ظروف الحرب والانقسام السياسي والجغرافي.
فمنذ خروج الرقة والحسكة عن السيطرة الرسمية خلال الثورة السورية، تراجع الوجود المؤسسي للإعلام الحكومي بشكل شبه تام، مقتصرًا على تغطيات محدودة عبر مكاتب أمنية أو مراسلين غير منتظمين. واليوم، مع التحولات السياسية والإدارية التي تشهدها البلاد، يبدو أن الحكومة السورية تسعى إلى إعادة فرض حضورها الإعلامي في هذه المحافظات ضمن ما تسميه “خطة وطنية لإعادة بناء المنصات الإعلامية الرسمية”.
دير الزور بوابة الإعلام الشرقي
اللافت في القرار هو إسناد إدارة مديريتَي الإعلام الجديدتين في الرقة والحسكة إلى مديرية إعلام دير الزور مؤقتًا، ما يشير إلى تحويل دير الزور إلى نقطة ارتكاز إعلامية رئيسية في الشرق السوري. وبحسب ما أكده الوزير حمزة المصطفى، فإن هذه الخطوة تأتي “تحت عنوان التكامل، لا المركزية”، حيث ستتولى كوادر دير الزور الإشراف الفني والإداري على المديريتين إلى أن يتم تجهيز مكاتب خاصة بهما على الأرض.
هذا التوجه يعكس، وفق محللين إعلاميين، رغبة حكومية في تجاوز المركزية الإعلامية القديمة، وبناء نمط أكثر مرونة يتيح للمحافظات إدارة شؤونها الإعلامية في إطار وطني موحد.
تحديات الواقع الإعلامي المحلي
لكن إعادة تفعيل البنية الإعلامية في الرقة والحسكة لن تكون مهمة سهلة، إذ تواجه تحديات متراكمة، على رأسها ضعف الكوادر الإعلامية المحلية المؤهلة، وانقطاع التواصل المؤسسي منذ سنوات، إضافة إلى الانقسامات السياسية التي تجعل من العمل الإعلامي في بعض المناطق مهمة معقدة من الناحية الأمنية والتنظيمية.
وفي هذا السياق، أكد الوزير المصطفى أن الوزارة “لن تتردد في دعم المحافظات بالمعدات والكوادر”، مشددًا على ضرورة تطوير التغطية الإعلامية للمحافظات الشرقية، وتوسيع نطاق العمل الصحفي الميداني ليشمل كافة الفعاليات المجتمعية والاقتصادية والخدمية.
ويعتقد مراقبون أن نجاح هذا التوجه سيتوقف على قدرة وزارة الإعلام على إعادة بناء الثقة مع المجتمع المحلي في تلك المناطق، الذي أصبح أكثر تنوعًا من حيث مصادره الإخبارية بعد سنوات من الاعتماد على الإعلام البديل وشبكات التواصل الاجتماعي.
لماذا الرقة والحسكة الآن؟
يعزو محللون الخطوة إلى تحولات سياسية وإدارية جارية في المنطقة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وسقوط النظام السابق، حيث بدأت الدولة السورية تسعى إلى إعادة بسط نفوذها الإداري عبر أدوات خدمية وإعلامية، بعد سنوات من الانقسام والتهميش.
كما يأتي هذا التحرك في سياق أوسع يشمل محاولات حكومية لإعادة بناء المؤسسات العامة وتوسيع صلاحيات المحافظات، لا سيما في المناطق الخارجة سابقًا عن السيطرة، وهو ما يتطلب بنية إعلامية قادرة على نقل الصورة وإدارة الرواية الرسمية، بحسب توصيف وزارة الإعلام.
ويشير بعض الصحفيين المحليين إلى أن اختيار التوقيت مرتبط أيضًا برغبة الحكومة في إطلاق منصات إعلامية جديدة تتناسب مع الانفتاح السياسي والاقتصادي المتوقع في البلاد، لا سيما مع توجه الحكومة نحو جذب استثمارات ومشاريع تنموية في شرق سوريا.
الإعلام المحلي.. حجر الزاوية في التعافي
في ظل هذه المتغيرات، تبرز الحاجة إلى إعلام محلي فاعل قادر على تغطية الأحداث، ونقل احتياجات المجتمعات المحلية، وربط المواطنين بمراكز القرار. ومن هنا، ترى وزارة الإعلام أن بناء مديريات مستقلة في كل محافظة سيمنح الإعلام المحلي مرونة أكبر، ويتيح تفاعلًا أوسع مع البيئة الاجتماعية والاقتصادية.
كما يتوقع أن تتيح المديريتان الجديدتان فرص عمل لعدد من الصحفيين الشباب، وتوفر بيئة مناسبة لتدريب كوادر جديدة، ضمن خطة الوزارة لتأهيل 300 إعلامي محلي خلال العامين المقبلين، موزعين على مختلف المحافظات.
رؤية إعلامية لما بعد الصراع
في حديثه خلال الاجتماع، شدد الوزير حمزة المصطفى على أن “المشهد الإعلامي السوري يتجه نحو التنوع والانفتاح”، مشيرًا إلى أن الوزارة تعمل على “صياغة خطاب إعلامي جديد يتلاءم مع المتغيرات السياسية والاجتماعية في البلاد”، على حد تعبيره.
ويرى الوزير أن “الإعلام لم يعد مجرد وسيلة للتوجيه، بل أصبح شريكًا في التنمية وصناعة القرار”، وهو ما يتطلب إعادة النظر في الهياكل التقليدية، وتوسيع مساحة العمل الميداني والنقد البناء، مع الحفاظ على القيم الوطنية.
ختامًا
يشكل قرار استحداث مديريتي إعلام في الرقة والحسكة خطوة جريئة نحو إعادة هيكلة المشهد الإعلامي السوري، خاصة في المناطق التي بقيت خارج المنظومة الرسمية لسنوات طويلة. لكن النجاح في هذا المسار لن يتحقق بمجرد إصدار قرار تنظيمي، بل يتطلب عملًا جادًا لإرساء إعلام مهني، منفتح، ومرتبط بقضايا الناس، في إطار من الشفافية والاستقلالية.
إقراء المزيد:
الرئيس أحمد الشرع يشكر الكويت ويؤكد: سوريا منفتحة على الأشقاء العرب
طيران ناس السعودي يعلن عن رحلتين أسبوعياً من جدة إلى دمشق
المقاتلون الأجانب في سوريا بعد سقوط الأسد.. التحدي الأخطر في طريق الرئيس السوري أحمد الشرع
اليابان تفتتح مركزًا رقميًا في جامعة دمشق لدعم الشباب السوري في مجالات التقنية والابتكار
الرئيس السوري أحمد الشرع: يصدر مرسوم منحة عيد الأضحى في سوريا 2025