
الشرع في الميدان.. دلالات جولة الرئيس السوري على المحافظات
الشرع في الميدان.. دلالات جولة الرئيس السوري على المحافظات
شكلت جولة الرئيس السوري أحمد الشرع على عدد من المحافظات حدثًا بارزًا تابع السوريون تفاصيله لحظة بلحظة، بدءًا من حديث أحد المواطنين له خلال زيارته إلى إدلب: “الله محييك يا شيخ، ما أحلى يلي ما ينسى أهله”، وصولًا إلى تجمع الأهالي حوله في الساحل السوري.
إدلب.. رد الجميل لمحافظة احتضنت الملايين
لم تكن إدلب مجرد محطة بروتوكولية ضمن الجولة، بل حملت رسالة تقدير لمحافظة احتضنت ملايين السوريين في أصعب الظروف. فقد استوعبت إدلب المهجرين من مختلف المحافظات، لتصبح نموذجًا للتلاحم الوطني، حيث امتزج القادمون بالسكان المحليين، مما شكّل صورة مصغّرة لسوريا المتنوعة.
إلى جانب ذلك، كانت إدلب نقطة انطلاق للقوات التي استكملت السيطرة على بقية الأراضي السورية، مما منحها بعدًا استراتيجيًا هامًا. فرغم أنها كانت تُوصف خلال حكم الأسد الأب والابن بالمدينة المنسية، إلا أنها أصبحت الركيزة الأساسية للتغيير، بعدما عانت من التهميش على مختلف الأصعدة.
في العديد من الدول الحديثة، تُعتبر المجتمعات المختلطة التي تضم أبناء مناطق مختلفة أساسًا لبناء هوية وطنية موحدة، وإدلب قدمت نموذجًا أوليًا لما يمكن أن تكون عليه سوريا المستقبل، حيث ذابت الفروقات المناطقية والطائفية تحت وطأة المعاناة المشتركة. ومن هنا، فإن اختيار إدلب كمحطة أولى في الجولة يعكس إدراك القيادة لدور المحافظة المحوري في مسار التغيير.
زيارة مخيمات النازحين في إدلب
حملت زيارة الرئيس أحمد الشرع لمخيمات النازحين في إدلب أبعادًا سياسية واجتماعية مهمة، حيث تعكس توجه الدولة نحو معالجة أزمة المهجرين التي تسبب بها نظام الأسد وحلفاؤه. إدلب، التي أصبحت أكبر تجمع للنازحين السوريين، تجسد بشكل واضح المعاناة الإنسانية والتغيرات الديموغرافية التي شهدتها البلاد.
ومن خلال وجوده المباشر في المخيمات، وجّه الشرع رسالة طمأنة للنازحين، مؤكدًا أن إعادتهم إلى مناطقهم وإعادة إعمار منازلهم تأتي ضمن أولويات الدولة، داعيًا إياهم إلى التحلي بالصبر في هذه المرحلة.
حلب.. أهمية استراتيجية واقتصادية
حملت زيارة الرئيس الشرع إلى حلب رسائل تعكس مكانتها الاستراتيجية والتاريخية، حيث كانت أول محافظة تسيطر عليها الفصائل في معركة “ردع العدوان”، ما شكّل نقطة تحول أساسية أدت إلى إسقاط الأسد والوصول إلى دمشق.
إلى جانب أهميتها السياسية، تبرز حلب كمحور اقتصادي رئيسي، نظرًا لدورها في تحريك عجلة الإنتاج والتجارة. ورغم الدمار الذي لحق بها جراء سنوات القصف من قبل الأسد وروسيا وإيران، تظل المدينة ركيزة أساسية في أي مشروع لإعادة إعمار سوريا وتحقيق نهضتها.
الشرع في حلب.. إعادة الإحياء الاقتصادي والاستقرار
تعكس زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى حلب إدراكه لأهمية إعادة إحياء هذه المدينة، التي تُعدّ مفتاح استعادة سوريا لعافيتها الاقتصادية. فباعتبارها العاصمة الاقتصادية للبلاد، لا يمكن تحقيق نهضة حقيقية دون استقرارها وعودة دورها الإنتاجي.
عانت حلب لسنوات من دمار واسع في بنيتها التحتية، إضافةً إلى تحديات اقتصادية أدت إلى خروج العديد من مصانعها وأسواقها عن الخدمة. ومن خلال زيارته، يوجه الشرع رسالة مفادها أن هذه المدينة لم تُنسَ، وأن هناك توجهًا واضحًا نحو إعادة الاهتمام بها على جميع المستويات.
كذلك، تؤكد الزيارة أهمية ترسيخ الاستقرار في حلب، باعتبارها بوابة أساسية لأي نهضة اقتصادية. فبدون أمن شامل يعيد الحياة إلى المناطق الصناعية والأسواق التجارية، ستظل أي جهود للنهوض الاقتصادي محدودة التأثير.
تمثّل حلب، بواقعها المتغير وتحدياتها، اختبارًا لقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين الماضي والمستقبل. فإعادة النهوض بهذه المدينة لا تقتصر على إعادة الإعمار، بل تشمل أيضًا معالجة آثار التحولات الديموغرافية والاقتصادية، خاصةً بعد تهجير معظم سكانها واستيطان عناصر الميليشيات الإيرانية فيها.
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى عفرين
جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى مدينة عفرين شمالي حلب بعد معاناة طويلة من الانتهاكات، سواء بحق سكانها الكُرد أو بسبب تقاسم الفصائل العسكرية لنواحيها، وتحويلها إلى ثكنات تخضع لمنطق النفوذ والمحاصصة.
تعرض سكان عفرين، وخاصة الأكراد، لانتهاكات متواصلة بعد سيطرة فصائل الجيش الوطني السوري، بما في ذلك فرض الضرائب الجائرة على المزارعين، مصادرة الممتلكات، واعتقال المدنيين بذرائع أمنية وسياسية.
يحمل دخول الرئيس الشرع إلى عفرين رسالة واضحة بأن الواقع قد تغيّر، وأن سلطة الدولة أصبحت المرجعية الوحيدة في المنطقة، بعد سنوات من التفكك الأمني. كما تؤكد الزيارة أن المرحلة الجديدة تهدف إلى إنهاء المحاصصة العسكرية وإعادة فرض النظام المؤسساتي بدلًا من الهيمنة الفصائلية.
ومن خلال هذه الزيارة، يوجّه الشرع رسالة إلى القوى المحلية والدولية بأن الدولة استعادت سيادتها على المنطقة، ولن يُسمح مجددًا بتحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات أو فرض الإتاوات على المدنيين.
ورغم انتهاء سيطرة الفصائل شكليًا، تظل عفرين اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تحقيق الاستقرار والعدالة، خاصةً في ظل الإرث الثقيل من الانتهاكات التي عانى منها سكانها.
زيارة الشرع إلى الساحل السوري.. كسر التصورات النمطية
تحمل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى اللاذقية وطرطوس دلالات تتجاوز كونها مجرد محطة ضمن جولته، فهي تكسر التصورات التي حاول نظام الأسد المخلوع ترسيخها لعقود، حيث سعى إلى تصوير الساحل السوري كمعقل حصري لولائه. إلا أن الواقع أثبت زيف هذه الادعاءات، فالساحل لم يكن يومًا كتلة موحدة تابعة للنظام، بل كان فضاءً متنوعًا يضم مختلف الشرائح المجتمعية التي تفاعلت مع الأحداث وفق مصالحها وتعقيدات واقعها.
ووصفت زيارة سالا إلى اللاذقية وطرطوس بأنها “انتحار دبلوماسي” حيث أثار وجود المئات من فلول نظام الأسد مخاوف أمنية، لكن ما كان مفاجئا هو حجم الاحتجاج الشعبي حوله، مع لقطات فيديو تظهر الآلاف من الناس وهم يرحبون به، وهو مشهد يعكس التحول العميق الذي شهدته هذه المناطق، ودحض ادعاءات الأسد المخلوع بأن الساحل هو معقل حصري لسلطته.
الجموع التي استقبلت الشرع بحرارة قد تكون نفسها التي عانت من سياسات التهميش والاستغلال التي فرضها النظام السابق، وترى في المرحلة الجديدة فرصة لإعادة تعريف موقعها في المشهد الوطني بعيدًا عن الاصطفافات القسرية التي استمرت لعقود.
وعلى الصعيد الأمني، أكدت الزيارة استقرار الساحل السوري، ما يبدد أي اتهامات بوجود مناطق خارجة عن السيطرة أو تهديدات من “فلول الأسد”. ولم تحدث أي خروقات أمنية أو أنشطة مشبوهة، وهو ما يبعث برسالة قوية في الداخل والخارج مفادها أن البلاد تسيطر بالكامل على الوضع وأن المرحلة الجديدة تؤسس لاستقرار حقيقي على أساس متين.
زيارة الشرع إلى الساحل.. ترسيخ شرعية جديدة
سياسيًا، تؤكد الزيارة أن نظام الأسد انتهى فعليًا وخرج من المشهد بلا عودة، إذ لم يدخل الشرع إلى الساحل كقائد يسعى لتفاهمات مع بقايا النظام السابق، بل كرئيس يرسّخ شرعية جديدة تقوم على دولة تشمل الجميع، بعيدًا عن حكم قائم على الخوف والاستقطاب الطائفي.
هذه الرسالة ليست موجهة فقط إلى الداخل السوري، بل تمتد إلى القوى الإقليمية والدولية التي قد لا تزال تراهن على إعادة إحياء فلول نظام الأسد المخلوع عبر تسليحها وترتيب صفوفها، خاصةً بعد الإشارات المتكررة من إيران بهذا الشأن.
تفكيك إرث الطائفية والاستغلال في الساحل
لطالما اعتمد نظام الأسد، خاصة في عهد الأسد الأب، على استراتيجية تقسيم المجتمع السوري طائفيًا، مما دفع المكونات المختلفة، وخاصة السوريين السنة، إلى التقوقع لحماية أنفسهم. في المقابل، أعاد تشكيل الطائفة العلوية عبر تدمير بنيتها التقليدية وإفقارها الممنهج، مما جعلها تعتمد عليه للبقاء.
ومن خلال تجنيد العديد من أبنائها في الأجهزة الأمنية، قدّم النظام نفسه كحامٍ لمصالحهم، بينما كان في الواقع يستخدمهم كأداة لتعزيز قبضته على السلطة.
زيارة الشرع إلى الساحل جاءت في سياق تفكيك هذا الإرث، وإيصال رسالة واضحة بأن الدولة الجديدة لا تقوم على الامتيازات الطائفية أو الاستقطاب، بل على مبدأ المواطنة المتساوية.
ورغم ادعاءات النظام السابق بأن الساحل كان معقله، إلا أنه عانى من التهميش الاقتصادي والاستغلال السياسي، ما يجعل الحاجة اليوم إلى نهج مختلف يعترف بحقوق سكانه كمواطنين متساوين، لا كأدوات في يد السلطة.
ولا يقوم النهج الجديد للدولة على تصفية الحسابات، بل يركز على المستقبل، مع التركيز على “تدوين” العدالة الانتقالية بدلاً من الانتقام السياسي، كما يؤكد الخطاب الرسمي.
التحدي اليوم لا يقتصر على تجاوز إرث الأسد، بل يتمثل في بناء دولة يكون فيها الساحل جزءًا متكاملاً من النسيج الوطني، لا منطقة تُعامل وفق الولاءات السابقة.
تحمل زيارة الشرع رسالة طمأنة، ليس فقط لسكان الساحل، بل لجميع السوريين، بأن المستقبل لن يُبنى على الثأر، بل على مصالحة وطنية حقيقية تعترف بالمظلومية، وتُحاسب المجرمين دون إعادة إنتاج دوائر الإقصاء.
اقراء ايضا:
الرئيس أحمد الشرع يزور اللاذقية وطرطوس بعد إدلب وحلب
الرئيس السوري أحمد الشرع في أول زيارة داخلية: جولة مفاجئة لمخيمات النازحين في إدلب