
تطبيق شام كاش يدخل الخدمة: راحة للموظفين أم عبء جديد
تطبيق شام كاش يدخل الخدمة: مع بداية شهر أيار 2025، بدأت الحكومة السورية الجديدة بتطبيق خطوة وصفتها بـ”التحول الرقمي الضروري”، من خلال اعتماد تطبيق “شام كاش” كمنصة رسمية لصرف رواتب موظفي القطاع العام. هذه الخطوة التي تأتي في سياق تعزيز الدفع الإلكتروني، أثارت موجة من ردود الأفعال بين مؤيد يرى فيها تخفيفاً لمعاناة الطوابير وأزمات السيولة، ومعارض يتخوّف من مخاطر الخصوصية والاقتطاعات المالية.
خطوة نحو الرقمنة أم فرض إجباري؟
جاء قرار وزارة المالية واضحاً: اعتباراً من أيار، سيتم تحويل الرواتب والأجور مباشرة إلى حسابات الموظفين المرتبطة بتطبيق “شام كاش”، بدلاً من الطرق التقليدية التي تعتمد على المعتمدين أو الصرافات الآلية. وبدأت بالفعل معظم الوزارات والمديريات الحكومية برفع قوائم بأسماء الموظفين الذين فعّلوا حساباتهم في التطبيق، محذّرة المتخلّفين من حجب رواتبهم في حال لم يسارعوا للتسجيل.
لكن هذه الخطوة لم تأتِ بسلاسة. إذ ظهرت على الفور تحديات تتعلق بتفعيل التطبيق، خصوصاً في المناطق التي تعاني من ضعف شبكة الاتصالات، إلى جانب افتقار عدد من الموظفين لكفاءة التعامل مع الهواتف الذكية أو التطبيقات، ما دفع البعض للمطالبة بإبقاء خيار الدفع التقليدي متاحاً، على الأقل لفئات كبار السن أو المقيمين في مناطق نائية.
التطبيق ليس جديداً.. بل “من إدلب إلى دمشق”
اللافت أن تطبيق “شام كاش” لم يكن وليد اللحظة، بل سبق استخدامه في محافظة إدلب عندما كانت تحت إدارة “حكومة الإنقاذ”، حيث كان معتمداً لصرف رواتب موظفيها. وكان يُشغَّل حينها من قبل شركة “الوسيط”، التي باتت تُعرف لاحقاً باسم “بنك شام”، وهي جهة غير مرتبطة سابقاً بالنظام المصرفي الرسمي.
إعادة إدماج التطبيق ضمن المنظومة المصرفية الرسمية للنظام الجديد يطرح تساؤلات حول خلفيته القانونية، والجهة المطوّرة له، ومستوى الأمان الذي يقدّمه للمستخدمين، خاصة أنه لا يتوفر على متاجر التطبيقات الرسمية مثل Google Play وApple Store، ما يعني غياب معايير الأمان والشفافية العالمية.
وعود حكومية بتسهيل الرواتب.. وطوابير مستمرة
بحسب معاون وزير المالية، فإن التطبيق يهدف إلى تخفيف الضغط عن الصرافات الآلية، وتسهيل استلام الراتب في أي محافظة، دون التقيد بالجغرافيا أو ساعات العمل الرسمية. وتم التوقيع مع شركتي حوالات محليتين، “الهرم” و”الفؤاد”، لتمكين الموظفين من استلام رواتبهم من مكاتبهم المنتشرة في البلاد.
إلا أن الواقع لم يأتِ مطابقاً للتوقعات. ففي عدة محافظات، خاصة دمشق، شهدت فروع شركات الحوالات ازدحاماً خانقاً، وسط طوابير امتدت لساعات، ما دفع الموظفين للتساؤل: هل انتقلنا فقط من طابور الصراف إلى طابور الحوالة؟
اقتطاعات وعمولات.. والموظف هو الخاسر
بالرغم من الحديث الرسمي عن تخفيف العبء المالي على الموظف، اشتكى كثيرون من وجود اقتطاعات تحت بند “العمولة”، تصل إلى 500 ليرة لكل 100 ألف، فيما استغل سماسرة الأزمة وبدؤوا بتقديم خدمات “تسليم فوري” للراتب مقابل عمولات أعلى بكثير وصلت إلى 5% من المبلغ الإجمالي. وفي ظل الرواتب المتدنية أصلاً، اعتُبرت هذه النسبة استغلالاً صارخاً لاحتياج الموظفين، خاصة أولئك الذين لا قدرة لهم على الوقوف في الطوابير لساعات.
قصص شخصية تعكس واقعاً مشوّشاً
هبة، موظفة من حي الزاهرة، روت كيف اضطرت ابنة عمها إلى دفع 5 آلاف ليرة مقابل كل 100 ألف، فقط لتستلم راتبها من محل تجاري وتتفادى الزحام. أما فهد نيربي، الموظف في دمشق، فقال إنه انتظر أكثر من أربع ساعات أمام فرع الهرم، ليحصل في النهاية على أوراق نقدية مهترئة ناقصة.
وفي المقابل، اعتبرت شادية الحمزة من درعا أن التطبيق خفّف عنها عناء التنقل والوقوف في طوابير الصرافات التي غالباً ما تكون معطلة. وترى أن العمولة المالية تُعادل تقريباً ما كانت تنفقه سابقاً على المواصلات.
مشاكل تقنية وأمنية تهدّد الخصوصية
واجه مستخدمو التطبيق مشكلات متكررة في تفعيله، نتيجة ضعف الشبكات أو عدم وصول رسائل التفعيل. كما اشتكى كثيرون من بطء استجابة “الدعم الفني” التابع للتطبيق، والذي قد يستغرق أياماً للرد، رغم تأكيد القائمين عليه بأن الفريق يعمل على مدار الساعة.
الأخطر من ذلك هو ما كشفه بعض خبراء البرمجيات. فقد أشار المهندس مراد علوان إلى أن التطبيق يفتقر للحد الأدنى من الشفافية، إذ لا يقدّم معلومات كافية عن مطوّريه، ولا يحتوي على سياسة خصوصية واضحة، ما يجعل بيانات المستخدمين، التي تشمل الاسم الثلاثي، الرقم الوطني، ورقم الهاتف، عرضة للاستغلال أو التسريب دون إمكانية الملاحقة القانونية.
خطر الاحتيال.. وفوضى على الإنترنت
مع انتشار التطبيق، ظهرت صفحات مزيفة تنتحل اسمه وتعد بمنح مالية أو مساعدات. وسام، شاب من حلب، نجا في اللحظة الأخيرة من عملية احتيال عبر رابط إلكتروني طلب بياناته البنكية، بحجة تحويل دعم مالي لمشروعه. وهناك شكاوى من عمليات اختراق لحسابات “شام كاش” خصوصاً بين النساء، مع ورود تهديدات بنشر صور ومحادثات خاصة، في حال عدم دفع مبالغ مالية.
هل التطبيق حل واقعي أم أزمة رقمية جديدة؟
في المحصلة، تطبيق “شام كاش” جاء كاستجابة عاجلة لأزمة سيولة وأزمة ثقة مزمنة بالمؤسسات المصرفية، لكنه حتى الآن لم يثبت فعاليته كحل دائم. فالتطبيق يعاني من مشاكل في البنية التقنية، ضعف الشفافية، وخطورة الاستغلال الأمني، ما يدفع للتساؤل الجدي: هل تسير الحكومة نحو رقمنة حقيقية تراعي حقوق الموظفين وأمنهم الرقمي؟ أم أننا أمام تجربة جديدة من التجريب الإداري، يتحمّل الموظف وحده نتائجها وتكاليفها؟
يبقى الجواب معلقاً، ريثما تتضح النوايا، وتتجاوز الحكومة مرحلة “التحول الرقمي الورقي”، إلى بناء منظومة دفع إلكتروني فعالة، عادلة، وآمنة.
إقراء ايضا:
وفد من وجهاء السويداء يزور داريا والأمن العام يفرض سيطرته على أشرفية صحنايا
الرئاسة السورية: الرئيس الشرع لا يملك حساباً على السوشال ميديا
“الكاتو المسموم”.. إيران تهرّب المخدرات إلى سوريا عبر الحلويات المغلّفة
الاتفاق في السويداء: محافظ السويداء نقترب من جني ثمار الحلول التدريجية
إسرائيل تشن 12 هجمة جوية على سوريا.. تصعيد خطير وتحذيرات من استغلال الأقليات