أخبار اقتصادية

بورصة دمشق تعود إلى التداول برؤية طموحة وأداء متواضع.. فهل تنجح في جذب المستثمرين؟

بورصة دمشق تعود إلى التداول:بعد توقف دام لأكثر من نصف عام، فتحت بورصة دمشق أبوابها مجددًا في الثاني من حزيران 2025، في خطوة وصفتها الحكومة السورية بأنها بداية لمرحلة جديدة من التحول الاقتصادي والانفتاح على الاستثمار المحلي والأجنبي. هذا الحدث، الذي رافقه حفل رسمي حضره عدد من الوزراء ورجال الأعمال، لم يخلُ من التحديات، إذ أظهرت أولى جلسات التداول أداءً خجولًا مقارنة بالطموحات المعلنة.

تداولات منخفضة رغم الزخم الرسمي

في أول جلسة بعد إعادة الافتتاح، بلغ إجمالي قيمة التداول نحو 241 مليون ليرة سورية فقط (أي ما يعادل 26 ألف دولار أمريكي تقريبًا)، موزعة على 138 صفقة شملت أكثر من 75 ألف سهم. وعلى الرغم من هذا الرقم المتواضع، إلا أن مؤشر السوق الرئيسي (DWX) سجل ارتفاعًا بنسبة 2.19%، ما يعكس تحسنًا تقنيًا قد لا يرتبط فعليًا بزيادة حجم النشاط الاستثماري.

رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عبد الرزاق قاسم، علّق على هذه الأرقام بقوله إن اليوم الأول لا يمثل الصورة الكاملة، مرجعًا ضعف التداول إلى غياب بعض الشركات عن الإفصاح المالي، إضافة إلى غياب الوعي بعودة السوق للعمل. كما أشار إلى أزمة السيولة المصرفية والقيود المفروضة على عمليات السحب، باعتبارها من أبرز العوامل المعرقلة لحركة السوق.

الشركات الأكثر نشاطًا في اليوم الأول

رغم ضعف التداول الكلي، تصدرت بعض الشركات قائمة النشاط من حيث قيمة الأسهم المتداولة، أبرزها البنك الوطني الإسلامي، الذي تجاوزت قيمة تداولاته 98 مليون ليرة، يليه بنك قطر الوطني وشركة إسمنت البادية. أما شركات أخرى كـ”بنك الشرق” و”بنك الائتمان الأهلي”، فقد حافظت على مستويات تداول جيدة، لكنها ما زالت تعكس تركّز النشاط في عدد محدود من المؤسسات المالية.

هذا التركّز يعيد إلى الأذهان الانتقادات القديمة الموجهة إلى بورصة دمشق، حين اقتصرت فعليًا على شركات تابعة للنظام السابق أو لمجموعات مالية محددة، ما قلل من شفافيتها وحدّ من قدرتها على اجتذاب المستثمرين الحقيقيين.

رؤية اقتصادية جديدة.. لكن هل تكفي؟

وزير المالية محمد يسر برنية، أكد خلال حفل الافتتاح أن الحكومة تطمح لتحويل السوق إلى منصة استثمارية مفتوحة للجميع، محليين ودوليين، من خلال توفير بيئة ضريبية مرنة، وتسهيل الإجراءات أمام الشركات العائلية للتحول إلى مساهمة عامة.

كما أشار إلى نية الحكومة إدراج قطاعات جديدة مثل الأندية الرياضية، وتوسيع المنتجات المالية المتاحة كصناديق الاستثمار، في محاولة لجعل السوق أكثر عمقًا وتنوعًا.

لكن هذه الرؤية الطموحة لا تزال تصطدم بواقع إداري وقانوني معقّد، بحسب ما أشار إليه المدير التنفيذي للبورصة، باسل أسعد، الذي أوضح أن الإجراءات البيروقراطية، وعدم توحيد المعايير الضريبية، تمثل عوائق جوهرية أمام تأسيس الشركات المساهمة العامة وإدراجها.

تحديات ضريبية وتشريعية في طريق التطوير

أبرز الإشكاليات التي تعيق انطلاقة السوق، وفق أسعد، تتمثل في الفجوة بين الضرائب النظرية والعملية. فعلى الرغم من أن الضريبة على الشركات المساهمة العامة تبلغ 16%، بينما تُفرض على الشركات الخاصة 24%، إلا أن الأخيرة تدفع فعليًا 1% فقط، ما يجعل من تأسيس شركات مساهمة خيارًا غير جاذب للمستثمرين.

كما أن تعدد الجهات المعنية بترخيص وإدارة السوق، مثل وزارة التموين وهيئة الأوراق المالية، يبطئ إجراءات الإدراج ويقلل من مرونة السوق، خاصة في ظل استمرار الرقابة الصارمة على التداولات.

هل تصبح دمشق مركزًا ماليًا إقليميًا؟

رغم التحديات، عبّر وزير الاقتصاد محمد الشعار عن تفاؤله بمستقبل بورصة دمشق، مشيرًا إلى أن الحكومة تتبنى مبدأ الحوكمة كأداة أساسية لإدارة الدولة والاقتصاد. وأكد أن السوق ستكون مفتوحة فقط أمام الشركات التي تمتثل للمعايير الفنية والإفصاح الكامل، ما من شأنه تعزيز الثقة وجذب الاستثمارات النوعية.

وأكد الشعار أن الخطط تتجاوز مرحلة “إعادة الإعمار” نحو بناء “سوريا جديدة” تعتمد على الابتكار والانفتاح، لافتًا إلى وجود فرص استثمارية واسعة، خاصة بعد رفع العقوبات المفروضة على البلاد.

قراءة اقتصادية: انطلاقة تحتاج إلى وقت

الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف قدّم قراءة نقدية أكثر واقعية، مؤكدًا أن بورصة دمشق، في السابق، لم تكن سوى واجهة شكلية لعمليات مالية غير شفافة. وأشار إلى أن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال فتح السوق أمام جميع الشركات، لا أن تبقى حكراً على قلة من المؤسسات المرتبطة بالسلطة أو بالمحسوبية.

كما اعتبر يوسف أن حجم التداول المنخفض في أول يوم طبيعي، بالنظر إلى إغلاق السوق لفترة طويلة، وتأخر بعض الشركات في تقديم إفصاحاتها المالية. وتوقّع أن يتطلب الأمر شهرًا على الأقل قبل أن تبدأ السوق بعكس قيمتها الحقيقية.

استئناف التداول بعد سنوات من التراجع

تاريخيًا، تأسست بورصة دمشق عام 2009 بست شركات فقط، وبلغت ذروتها عام 2010 قبل أن تتراجع بشكل كبير إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011. حيث تراجع المؤشر العام من 1,719 نقطة إلى أقل من 800 نقطة خلال عامين، كما انخفضت القيمة السوقية من أكثر من 3 مليارات دولار إلى أقل من 400 مليون بحلول عام 2016.

ومع سريان العقوبات، لا سيما خلال فترة تطبيق قانون “قيصر”، شهد السوق تدهوراً حاداً، قبل أن تبدأ بوادر التعافي بالظهور تدريجياً، إذ ارتفعت القيمة السوقية لتصل إلى نحو 1.5 مليار دولار مع نهاية عام 2024، مما مهّد الطريق أمام جهود إعادة الهيكلة.

خلاصة: الطريق طويل لكنه قابل للتحقق

عودة سوق دمشق للأوراق المالية إلى التداول تشكل خطوة مهمة في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وهي تحمل مؤشرات سياسية واقتصادية على رغبة الحكومة في الانفتاح واحتواء القطاع الخاص. لكن هذا المسار يتطلب إصلاحات جوهرية في البيئة التشريعية والضريبية، وتوسيع قاعدة الشركات المدرجة، وتوفير سيولة حقيقية في السوق.

وبين الطموح بتحويل دمشق إلى مركز مالي إقليمي، والواقع المليء بالتعقيدات، يبدو أن نجاح هذه التجربة سيكون مرهونًا بسرعة الإصلاح، وبتوفر إرادة سياسية حقيقية لفصل الاقتصاد عن الممارسات القديمة.

إقراء المزيد:

الرئيس أحمد الشرع يشكر الكويت ويؤكد: سوريا منفتحة على الأشقاء العرب

طيران ناس السعودي يعلن عن رحلتين أسبوعياً من جدة إلى دمشق

المقاتلون الأجانب في سوريا بعد سقوط الأسد.. التحدي الأخطر في طريق الرئيس السوري أحمد الشرع

اليابان تفتتح مركزًا رقميًا في جامعة دمشق لدعم الشباب السوري في مجالات التقنية والابتكار

الرئيس السوري أحمد الشرع: يصدر مرسوم منحة عيد الأضحى في سوريا 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى