
جدل واسع في سوريا بعد قرار حظر استيراد السيارات المستعملة: بين حماية السوق وحرمان المواطن
قرار حظر استيراد السيارات المستعملة: أثار قرار الحكومة السورية الجديد بمنع استيراد السيارات المستعملة، عاصفة من الجدل بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تباينت ردود الفعل بين من اعتبره قراراً متأخراً يصبّ في مصلحة الاقتصاد، ومن رآه انتكاسة جديدة تمسّ الطبقات المتوسطة والفقيرة التي وجدت في السيارات المستعملة وسيلة تنقل شبه وحيدة بعد سنوات من الانقطاع عن العالم.
وجاء القرار بعدما شهدت شوارع المدن السورية تغيراً مفاجئاً، إثر تدفّق آلاف السيارات القديمة والمتهالكة التي استوردها التجار منذ فتح باب الاستيراد عقب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024.
من الندرة إلى الفوضى: سوق السيارات بعد الثورة
طوال سنوات حكم النظام السابق، كانت السيارات تُعد ترفاً صعب المنال، إذ وصلت رسوم استيرادها إلى أكثر من 200%، أُضيفت إليها ضرائب ورسوم متعددة جعلت السعر النهائي مضاعفًا أربع مرات عن دول الجوار، ما حرم غالبية السوريين من امتلاك وسيلة نقل خاصة.
ولكن مع تغيير النظام السياسي ورفع القيود التجارية، قررت الحكومة الجديدة فتح باب استيراد السيارات المصنعة حتى عام 2010. ومع غياب الرقابة الصارمة، استغل العديد من التجار الثغرة لجلب سيارات متهالكة أو غير آمنة إلى الأسواق السورية، حتى باتت بعض الشوارع تُشبه “مقابر سيارات”.
قرار جديد لضبط السوق.. وبدائل غائبة
رداً على هذه الفوضى، أعلن وزير الاقتصاد نضال الشعار حظر استيراد السيارات المستعملة، مع استثناء السيارات الحديثة التي لا يتجاوز تاريخ صنعها عام 2022. كما استُثنيت من القرار الشاحنات والجرارات والآليات الثقيلة التي يقل عمرها عن عشر سنوات.
في المقابل، راعى القرار وضع التجار الذين استوردوا سيارات قبل صدوره، بشرط تسجيلها لدى هيئة المنافذ البرية والبحرية.
لكن القرار لم يُقابل بالإجماع. فقد اعتبر كثيرون أنه جاء متأخراً بعد أن أُغرقت الأسواق بمركبات “الخردة”، فيما رأى آخرون أنه يصبّ في مصلحة التجار الكبار ويُقصي محدودي الدخل عن سوق السيارات.
ردود الفعل: بين التأييد والغضب
على مواقع التواصل، انقسمت الآراء:
-
كتب أحد المعلقين: “القرار صح، البلد تعبت سيارات، والمفروض ننتقل لمرحلة السيارات الكهربائية ووكالات رسمية تقسيطية.”
-
بينما كتبت مواطنة: “متأخر جداً.. ما كان لازم يسمحوا بدخول الخردة أساساً، الناس صبرت سنين وتستحق سيارات محترمة.”
في المقابل، عبّر آخرون عن استياء عميق:
-
كتب أحمد الموسى: “ما هي البدائل؟ لا نقل عام، لا قطارات، لا قروض ميسرة.. كيف تطلب من الفقير سيارة جديدة؟”
-
وذهب أحمد البرهو أبعد من ذلك حين وصف القرار بأنه “هدية جديدة لمافيا تجار السيارات الذين يتحكمون بالسوق بالتواطؤ مع الحكومة.”
الحكومة ترد: توازن بين الاستقرار ومصلحة المواطن
وفي حديث لبرنامج “شبكات”، أكد قاسم كامل، مدير الاتصال الحكومي بوزارة الاقتصاد، أن القرار جاء لضبط الفوضى السوقية، وضمان الحد من دخول مركبات غير صالحة، كما تمت مراعاة مصلحة المواطن ذي الدخل المحدود عبر استثناء السيارات قيد الشحن، وتوجيه الجهود نحو دعم النقل العام مستقبلاً.
وأضاف أن الحكومة تدرس “نظام تقسيط وتمويل للسيارات الجديدة، إلى جانب تحسين البنية التحتية للنقل الجماعي.”
مرحلة انتقالية بين التطلعات والقيود
يمثّل القرار اختباراً حقيقياً للحكومة السورية الجديدة، التي تسعى لفرض قواعد تنظيمية في بيئة اقتصادية منهكة. وبين الحاجة إلى حماية السوق ومنع التهريب، ومطالب المواطن العادي بالحصول على وسيلة نقل، يبقى السؤال الأكبر:
هل تنجح الحكومة في تحقيق التوازن؟ أم يبقى القرار حبراً على ورق يعمّق الفجوة بين الدولة والمواطن؟
إقراء المزيد:
سوريا ونظام سويفت.. تحديات العودة إلى النظام المالي العالمي
غارة بريطانية بطائرة مسيرة تقتل عنصراً من “داعش” قرب سرمدا شماليّ سوريا
زيارة غير معلنة: وزير خارجية أبخازيا يلتقي نظيره السوري في دمشق
جامعة سورية – تركية مشتركة: خطوة جديدة لتعزيز التعاون العلمي بين البلدين