التعاون التركي السوري المدني:اجتماع نائب وزير الخارجية التركي مع منظمات
التعاون التركي السوري المدني:اجتماع نائب وزير الخارجية التركي مع منظمات
التعاون التركي السوري المدني:في تطور جديد يعكس ملامح التحول في السياسة التركية تجاه الملف السوري خلال المرحلة الانتقالية، عقد نائب وزير الخارجية التركي وسفير تركيا لدى سوريا، نوح يلماز، اجتماعاً موسعاً مع ممثلي منظمات مجتمع مدني ومؤسسات تُعنى بالعمل الإغاثي والتنمية داخل سوريا· الاجتماع الذي احتضنته وزارة الخارجية في العاصمة أنقرة، مساء الخميس، لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل بدا أقرب إلى ورشة تقييم إستراتيجية لمسار التعاون بين أنقرة والمنظمات العاملة على الأرض السورية، في وقت تشهد فيه البلاد إعادة تشكيل واسعة للمشهد السياسي والعسكري والإنساني بعد سقوط النظام السابق·
اجتماع لترتيب المرحلة المقبلة
ووفق ما نشرته وزارة الخارجية التركية عبر منصة “إن سوسيال”، فإن اللقاء ركز على “بحث فرص التعاون في المرحلة المقبلة، والاستفادة من خبرات المنظمات المدنية في تطوير البرامج الإغاثية والتنموية داخل سوريا”·
ويشير هذا التصريح المقتضب إلى أن أنقرة تتجه نحو تعزيز العمل الميداني المنظم داخل سوريا، والانتقال من مجرد دور داعم إلى دور الشريك في إعادة بناء ما تهدم خلال سنوات الحرب· وبينما تعمل تركيا منذ سنوات على تقديم الدعم الإنساني للمناطق الحدودية والشمال السوري، إلا أن التطور الأبرز اليوم يتمثل في نقل المسار الإنساني من المستوى الحدودي إلى المستوى السياسي – المؤسساتي بعد تعيين سفير رسمي في دمشق·
وقد عُيّن نوح يلماز سفيراً لتركيا في سوريا في 24 تشرين الأول الماضي، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً واضحاً على رغبة الجانبين في تنظيم العلاقات وترسيخ قنوات اتصال أوسع·
سوريا على رأس أولويات السياسة الخارجية التركية
خلال لقاء تلفزيوني مع قناة “TRT عربي” الأسبوع الماضي، أوضح نوح يلماز أن سوريا تُعد “القضية الاستراتيجية الأولى” بالنسبة لأنقرة حالياً، مؤكداً أن استقرار سوريا ووحدة أراضيها يمثلان الشرط الأساس لاستقرار المنطقة بأكملها·
وأضاف يلماز أن الملفات السورية بالنسبة لتركيا متعددة الأبعاد:
الهجرة واللجوء
الأمن ومكافحة الإرهاب
مكافحة المخدرات
المسائل العسكرية والاستخباراتية
إعادة الإعمار المبكر
وقال بالحرف:
“إذا تحقق السلام في سوريا فسيعمّ الاستقرار المنطقة، أما إذا اشتعلت الحرب فيها فستمتد إلى محيطها· لهذا أولويتنا القصوى هي دعم وحدة الأراضي السورية واستقلالها·”
هذه التصريحات تظهر بوضوح أن تركيا تنظر إلى التطورات السورية بوصفها جزءاً من أمنها القومي، وليس مجرد ملف خارجي تديره عبر الحدود· وفي هذا الإطار، يبدو أن أنقرة تسعى إلى تقديم نفسها كشريك إقليمي في دعم الاستقرار السوري وليس فقط جهة معنية بالأمن الحدودي·
قراءة في الرسائل السياسية وراء الاجتماع
يمكن قراءة الاجتماع الأخير بين يلماز ومنظمات المجتمع المدني في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
1· إدماج المنظمات المدنية في رؤية تركيا للمرحلة الانتقالية
تركيا تدرك أن إعادة بناء سوريا لا يمكن أن تنجح عبر القرارات السياسية وحدها، وإنما تحتاج أيضاً إلى:
شبكات مدنية قوية
خبرات محلية
مؤسسات قادرة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر
اجتماع يلماز مع المنظمات لا يعكس مجرد تقدير لدورها، بل يشير إلى ضبط آليات العمل وتوجيهها نحو أهداف تتوافق مع الاستقرار طويل الأمد·
2· تثبيت الدور التركي داخل سوريا بشكل رسمي
على مدى السنوات الماضية، كان حضور تركيا في سوريا يرتكز على:
عمليات إنسانية
تنسيق عسكري
دعم سياسي للمعارضة
لكن تعيين سفير وبدء اجتماعات مؤسساتية يعني أن تركيا تدخل مرحلة جديدة عنوانها:
“الحضور الرسمي المنظم داخل الدولة السورية الجديدة”·
3· توسيع قنوات التنسيق الإقليمي
يلماز كشف أن بلاده تعمل على إنشاء آليات تنسيق إقليمية لمناقشة القضايا الأمنية المشتركة مع دول المنطقة، ما يعكس رغبة تركيا في:
تجنب عودة الفوضى إلى الحدود
العمل مع الحكومات المتجاورة لمنع تنامي الشبكات الإجرامية أو الإرهابية
دعم الاستقرار السياسي في دمشق كشرط لحماية المصالح التركية
أبعاد إنسانية تتجاوز السياسة
العمل الإنساني في سوريا اليوم يحتاج إلى:
تنسيق أكبر
تمويل ثابت
رؤية تنموية تتجاوز فكرة “الإغاثة الطارئة”
وتدرك تركيا أن المنظمات المحلية والدولية تمتلك خبرات ميدانية واسعة في:
توزيع المساعدات
دعم الأسر المتضررة
إعادة تأهيل الخدمات الأساسية
المشاريع المجتمعية
ولذلك يبدو أنها تسعى إلى توحيد الجهود الإنسانية مع التحرك السياسي، لصناعة نموذج أكثر تأثيراً في إعادة بناء المجتمعات السورية·
لماذا يأتي الاجتماع في هذا التوقيت؟
التوقيت بحد ذاته مهم، ويكشف عدداً من النقاط:
بداية مرحلة سياسية جديدة بعد تعيين سفير تركي في دمشق·
توسع برامج “التعافي المبكر” داخل سوريا·
اهتمام تركي متزايد بالملف الأمني، خاصة مكافحة المخدرات وشبكات التهريب·
رغبة تركية في دعم الحكومة السورية خلال المرحلة الانتقالية·
كما يأتي الاجتماع بعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، وما رافقها من تحولات دولية في ملف الجنوب السوري، ما يعزز الحاجة إلى تنسيق إقليمي متين·
تركيا تستعد لـ“اليوم التالي” في سوريا
خلال السنوات الماضية، كانت أنقرة واحدة من أكثر الدول تأثيراً في الملف السوري، سواء عبر علاقتها مع المعارضة أو عبر التواجد العسكري والإنساني· ولكن مع دخول سوريا مرحلة سياسية جديدة، تتحول تركيا من دور “الطرف الفاعل عبر الحدود” إلى شريك إقليمي في إعادة بناء الدولة·
وبحسب تصريحات يلماز، فإن تركيا “تسخّر طاقات مؤسساتها كافة لدعم الحكومة السورية في إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار”· وهذا يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد تعاوناً أكبر في المجالات:
الأمنية
الاقتصادية
الاستخباراتية
الإنسانية
وهي ملفات تحتاج، بطبيعتها، إلى مشاركة واسعة من المؤسسات المدنية·
خلاصة
الاجتماع بين نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز ومنظمات المجتمع المدني العاملة في سوريا ليس حدثاً عابراً، بل هو جزء من خطة تركية أشمل لإعادة رسم دورها في سوريا بالتزامن مع التطورات السياسية الجديدة في دمشق·
ومع أن تفاصيل التعاون المستقبلي لم تُكشف بعد، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن:
تركيا تتحرك وفق رؤية طويلة المدى
المنظمات المدنية ستكون جزءاً أساسياً من هذه الرؤية
المرحلة المقبلة ستشهد ترتيباً جديداً في العلاقات بين أنقرة ودمشق
إقراء المزيد:
الدماغ لا يحب التغيير: كيف تعيد برمجة عقلك لتقبّل البداية؟
انتحال الصفة الأمنية في حلب: اعتداء على صانع محتوى يثير الجدل
تزايد العنف بين الشباب السوريين في ألمانيا يثير قلق السلطات
سادكوب تعلن عن تجديد أسعار المحروقات في سوريا
الرئيس الشرع في البيت الأبيض: أول زيارة لرئيس سوري منذ إسقاط الأسد



