علاقة دمشق مع واشنطن بعد زيارة الشرع·· اختبار لقنوات التنسيق الأمني شرق الفرات
علاقة دمشق مع واشنطن بعد زيارة الشرع·· اختبار لقنوات التنسيق الأمني شرق الفرات
علاقة دمشق مع واشنطن:منذ زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، وهي الأولى من نوعها منذ تغيّر السلطة في دمشق، دخل الملف السوري مرحلة جديدة من إعادة التموضع الدبلوماسي والأمني· فاللقاء الذي جمع الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل إشارة واضحة إلى أن العلاقة بين دمشق وواشنطن وصلت إلى نقطة اختبار حقيقي، خاصة في ظل تعقيدات المشهد شرق الفرات·
رغم غياب المؤشرات التي تؤكد تحولاً استراتيجياً كاملاً، إلا أن الزيارة فتحت الباب أمام مسار مختلف: مسار يبدأ من مكافحة تنظيم داعش ويُمهد لإعادة تنظيم البيئة الأمنية في الشرق السوري، حيث تتقاطع مصالح الأمن والطاقة والحدود والنفوذ الدولي·
علاقة دمشق مع واشنطن·· خطوة أمنية أم تمهيد سياسي؟
انضمام سوريا رسمياً إلى التحالف الدولي ضد داعش لا يعني بالضرورة تغيير موقعها الجيوسياسي، لكنه يؤسس لأرضية مشتركة مع واشنطن ترتكز على ملف الأمن ومحاربة الإرهاب·
هذه الخطوة تعزز – ولو بشكل محدود – إمكانية خلق قنوات اتصال منظمة بين الطرفين، دون الحاجة إلى إعلان تحالف سياسي أو شراكة عسكرية شاملة·
من الواضح أن واشنطن تتعامل مع انضمام دمشق إلى التحالف بوصفه خطوة عملية، تسمح بتبادل المعلومات الأمنية، وضبط الحدود، وإدارة خطر داعش الذي لا يزال نشطاً في مناطق واسعة، خصوصاً في الشرق·
أما دمشق، فتقرأ هذه الخطوة كجزء من “دور الدولة”، وإعلان رسمي عن عودتها للانخراط في الأمن الإقليمي، في وقت تسعى فيه لإعادة بناء مؤسساتها بعد سنوات من التفكك·
سياسة “الانخراط المحدود”·· أميركا تفتح الباب دون التزام كامل
لا تزال واشنطن تتبنى ما يعرف بسياسة الانخراط المحدود: أي إدارة الملفات الأمنية الحساسة دون دفع أثمان سياسية أو التزام طويل الأمد·
وبالتالي، فإن التعاون مع دمشق يبقى مشروطاً بملف داعش، وضبط الحدود، والاستقرار الأمني، دون التعهد بإعادة التطبيع الدبلوماسي أو رفع العقوبات أو الانخراط السياسي·
ومع ذلك، يمكن لهذا المسار أن يتطور، إذا أثبتت دمشق قدرتها على إدارة التزاماتها الأمنية، خاصة في مناطق حساسة مثل دير الزور، الهول، والبوكمال·
هل هناك تنسيق عسكري؟·· حتى الآن: لا
حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات على تنسيق عسكري واسع بين الجيش السوري والقوات الأميركية·
لكن احتمال التنسيق الأمني واللوجستي يظل قائماً، خصوصاً في ما يتعلق بـ:
رصد خلايا داعش
تبادل معلومات ميدانية
منع الاحتكاك بين القوات المنتشرة شرق الفرات
وربما دعم جوي محدود من التحالف في مناطق معينة
كل ذلك يبقى في إطار “التقنية الأمنية”، دون أي تحوّل سياسي أو شراكة عسكرية حقيقية·
قسد·· العقدة الأكبر في العلاقة
قوات سوريا الديمقراطية تبقى العنصر الأكثر حساسية في مشهد الشرق السوري·
واشنطن تعتبرها شريكاً أمنياً لا غنى عنه·
بينما تتعامل دمشق معها كواقع ميداني لا يمكن تجاهله، لكن دون اعتراف سياسي أو قانوني بدورها·
زيارة الشرع إلى واشنطن فتحت ملف قسد، دون أن تضع حلولاً له·
لكن ما يمكن توقعه هو:
استمرار واشنطن في دعم قسد ضمن حدود مكافحة داعش
تعامل دمشق معها كقوة أمر واقع، ريثما تتضح ترتيبات الحكم المحلي
إمكان صياغة تفاهمات ميدانية مرنة (لا مركزية، تنسيق نقاط، تبادل أمني…)
شرق الفرات·· منطقة هشّة تحتاج “إدارة الفراغ”
شرق سوريا يشكل وفق الدراسات الدولية نموذجاً واضحاً لـ”حوكمة المناطق الهشة”، حيث:
تتقاطع قوى محلية ودولية
تتداخل خطوط السيطرة
وتبقى المؤسسات متصدّعة وضعيفة
في مثل هذه البيئات، يصبح التعاون الأمني ـ حتى بين خصوم سياسيين ـ ضرورة وليس خياراً·
وتعتمد الولايات المتحدة على ما يسمى بـ: “الاستقرار عبر التنسيق”
وهو نمط يُطبّق في العراق والصومال وأفغانستان:لا رؤية موحدة، ولا تحالف سياسي — فقط إدارة أمنية لمنع الفوضى·
هل يتطور هذا المسار؟
نعم، إن أثبت الطرفان:
قدرة على تبادل المعلومات
ضبط الحدود
منع الاحتكاك
تقليل نشاط الخلايا المتطرفة
فقد تنتقل العلاقة إلى ملفات أخرى:
ملفات إنسانية
دعم البنية التحتية
إعادة تأهيل مناطق
تحسين الأمن المحلي
لكن كل ذلك يعتمد على حسن إدارة المرحلة الأولى: مكافحة داعش – وتأمين الشرق – دون فراغ·
خلاصة
علاقة دمشق مع واشنطن:زيارة الشرع ليست نهاية مرحلة، بل بداية اختبار· واشنطن لن تندفع نحو تطبيع كامل·
ودمشق لن تحصل على شراكة واسعة·
لكن الطرفين الآن يجربان معادلة جديدة: تنسيق أمني منضبط — براغماتي — ميداني
لا يحمل وعوداً سياسية، لكنه يفتح الباب لإعادة بناء الثقة، وإمكانية خلق بيئة أكثر استقراراً في أكثر مناطق سوريا هشاشة وتعقيداً·
إقراء المزيد:
الدماغ لا يحب التغيير: كيف تعيد برمجة عقلك لتقبّل البداية؟
التعاون التركي السوري المدني:اجتماع نائب وزير الخارجية التركي مع منظمات
قلق إسرائيلي من ضغوط ترمب للانسحاب من جبل الشيخ جنوب سوريا



