
الكنوز المنهوبة في سوريا: التنقيب العشوائي يهدد ذاكرة الحضارات
الكنوز المنهوبة في سوريا:تواجه سوريا واحدة من أكثر المراحل مأساوية في تاريخها الثقافي، مع تصاعد عمليات نهب المواقع الأثرية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية واستمرار الأزمة الاقتصادية. فقد تحوّلت أعمال التنقيب العشوائي عن الكنوز إلى تهديد حقيقي يُنذر بضياع جزء كبير من التراث السوري، إذ تؤدي هذه الأعمال إلى تدمير مواقع تاريخية قيّمة، وقد تمحو أدلة أثرية لا تُقدّر بثمن، تمثل شواهد حية على الحضارات التي ازدهرت في هذه الأرض.
ظروف التنقيب العشوائي
تعود بداية هذه الموجة من النهب إلى المناطق التي تعاني من نقص في الأمن، ما دفع بالآلاف من السوريين إلى البحث عن الثروات المدفونة في الأرض. في ظل العجز الاقتصادي والفراغ الأمني، أصبح التنقيب عن الكنوز، سواء كان من خلال أدوات بدائية أو أجهزة كشف المعادن الحديثة، وسيلة للبقاء على قيد الحياة بالنسبة للكثيرين. وفي ظل غياب الرقابة الفعّالة، يزداد الوضع سوءًا في العديد من المواقع الأثرية في مختلف أنحاء البلاد.
تبدأ الحكاية في مواقع تاريخية قديمة مثل “بصرى” في درعا، حيث يحفر العديد من السكان الأرض في محاولة للوصول إلى ثروات محتملة كانت قد أُخفِيت منذ العصور القديمة. وفي مناطق مثل حلب وإدلب، يواصل الباحثون عن الكنوز استهداف المواقع الأثرية التي تشهد تدميرًا ممنهجًا، مثل موقع “إيبلا” الذي يعتبر أحد أقدم الممالك السورية.
التهديد المستمر للمواقع الأثرية
تشير التقارير إلى أن العديد من المواقع الأثرية التي تمتد من المناطق الساحلية إلى المدن الداخلية قد أصبحت عرضة للنهب. ففي “عمريت” و”تدمر”، يمكن ملاحظة تأثير الحفر الجائر على المدافن الرومانية، حيث دُمّرت المقابر والأضرحة لتحويل هذه المواقع إلى ساحات نهب مفتوحة. كما أن الحفر العشوائي يمحو طبقات أثرية مهمة، وهو ما يمثل تهديدًا كبيرًا لآثار لا تقدر بثمن.
وقد شدد علماء الآثار على أن أساليب التنقيب العشوائي تسبب تدميرًا سريعًا للطبقات الأثرية التي تمت دراستها لعدة سنوات. فالتنقيب المعتمد على التكنولوجيا الدقيقة يتطلب حفريات أفقية وحذرًا شديدًا، بينما يفرض التنقيب العشوائي الحفر العميق والعنيف الذي يؤدي إلى تدمير الأدلة المهمة عن الحضارات القديمة.

التحديات الأمنية والقانونية
رغم قيام السلطات باعتقال بعض المنقبين في مناطق مثل طرطوس، يبقى الوضع الأمني في حالة فوضى كبيرة، حيث يصعب فرض القوانين وحماية المواقع التاريخية. لا تزال عصابات تهريب الآثار تنشط، مستفيدة من الخبرة التي اكتسبتها خلال السنوات الماضية، وتعمل بشكل سري في أماكن نائية لتجنب الملاحقة.
من جانبه، أشار مسؤولون في المديرية العامة للآثار والمتاحف إلى أن أحد الحلول الممكنة لحماية التراث السوري هو إشراك المجتمع المحلي في جهود الحماية. فالسكان المحليون يجب أن يكونوا جزءًا من هذا الجهد، حيث يمكن لهم إبلاغ السلطات عن عمليات التنقيب غير القانونية وحماية المواقع القريبة منهم.
التجارة غير القانونية
من العوامل التي تساعد على استمرار عمليات النهب، هو ازدهار تجارة الآثار في السوق السوداء. في دمشق، على سبيل المثال، تزايدت تجارة أجهزة الكشف عن المعادن، مما سمح للمزيد من الأفراد بالبحث عن الكنوز بطريقة غير قانونية. هذه التجارة تمتد عبر منصات الإنترنت مثل “فيس بوك” و”تيك توك”، حيث تُعرض القطع الأثرية للبيع. رغم محاولات بعض التجار لإخفاء هويتهم، إلا أن التجارة مزدهرة، مما يزيد من تحديات القضاء على هذه الظاهرة.
خطوات نحو الحماية
في ظل هذه التحديات، بدأت الحكومة السورية بإعداد خطط لحماية التراث، بما في ذلك إنشاء خريطة رقمية للمواقع الأثرية ومراقبة الوضع الأمني فيها. ولكن يبقى نجاح هذه الجهود مرهونًا بالدعم المحلي والدولي، حيث تشكل الحماية المجتمعية جزءًا أساسيًا من الحفاظ على التراث السوري.
وفي النهاية، إن حماية التراث السوري ليست مهمة حكومية فقط، بل هي مسؤولية جماعية تشمل المواطنين، الحكومات، والمنظمات الدولية. في مواجهة التدمير الثقافي المستمر، يجب على الجميع التكاتف للحفاظ على هوية سوريا الثقافية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية.
الأمن العام في درعا يوقف مشتبهين باغتيال الإعلامي محمود الكفري في درعا
بعد توقف دعم أوتشا.. مستشفى الرحمة في دركوش يواجه خطر الإغلاق وآلاف المرضى بلا علاج
قمة ثلاثية في أنقرة: ملفات سوريا والأمن الإقليمي على طاولة وزراء خارجية تركيا والأردن وسوريا