مقالات و آراء

نظام الأسد مزّق المجتمع السوري بشبكة مخبرين.. وذاكرة الخوف ما تزال تطارد الضحايا

نظام الأسد مزّق المجتمع السوري:سلّط تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الضوء على الكيفية التي استخدم بها النظام السوري السابق شبكات واسعة من المخبرين لزرع الانقسام بين أفراد المجتمع السوري، مما خلق حالة من انعدام الثقة والخوف استمرت لعقود، ولا تزال آثارها حاضرة حتى بعد انهيار النظام في كانون الأول الماضي.

ففي ظل حكم النظام المخلوع، تحوّلت سوريا إلى دولة يراقب فيها المواطن جاره وزميله، بل حتى الأطفال لم يسلموا من رقابة المعلمين الذين كانوا يرفعون تقارير أمنية استنادًا إلى ما يسمعونه من أحاديث في البيوت. ومع سقوط النظام، بدأت تتكشف ملامح هذا الخراب المجتمعي، وتطفو إلى السطح قصص مؤلمة عن الخيانة والصمت القاتل.

حي التضامن نموذجًا.. “أبي دمّر عائلتنا”

في حي التضامن الدمشقي، يروي المواطن حمدي البرابري كيف كاد يفقد حياته حين أُطلقت عليه النار أثناء وقوفه على سطح منزله، بعد أن اتُّهم والده، أبو أيمن، بالتجسس لصالح النظام السابق. ويعترف الأب بأنه ساعد قوات الأمن في الوصول إلى عدد من المنازل، قُتل أصحابها لاحقًا، مدّعيًا أنه “لم يكن أمامه خيار آخر”.

غير أن جيرانه، ومنهم عائلة المغربي، يؤكدون أنه كان مسؤولًا مباشرًا عن ملاحقتهم، إذ قُتل أفراد من العائلة وتعرّض آخرون للاعتقال والتعذيب الشديد في فرع فلسطين سيئ السمعة. ويقول أحمد المغربي: “المخبر كان أبو أيمن. لقد دمّر عائلتنا”.

ثمن الولاء للنظام

حقق أبو أيمن مكاسب مادية كبيرة خلال سنوات خدمته، فامتلك عدة عقارات وانضم إلى ميليشيا “الدفاع الوطني”، التي فرضت سلطتها بالسلاح، ونصبت حاجزًا أمام منزله، ما أدى إلى اشتباكات مع السكان.

ومع انهيار النظام، هرب أبو أيمن إلى لبنان. وبعد ذلك بأيام، داهم ملثمون منزل ابنه واحتجزوه لساعات، متهمين والده بالتورط في جرائم قتل لصالح النظام.

مطالبات بالمحاسبة.. والمجتمع يعاني الانقسام

تفاقم التوتر في حي التضامن بعد سقوط النظام، خصوصًا مع استمرار انقسام العائلات السنيّة بين من دعم النظام ومن عارضه. وطالب كثير من السكان بمحاسبة المتورطين في الوشاية والانتهاكات، بينما لم تُقدّم الحكومة الجديدة خطة واضحة للمصالحة الوطنية رغم إطلاقها مبادرات أولية لتسليم السلاح مقابل بطاقات مدنية.

في مشهد صادم، عاد فادي صقر، قائد ميليشيا الدفاع الوطني، إلى الحي، ما أثار استياء السكان.

ويقول موسى المغربي: “وجوده في هذا المكان يُفقد كل جهودنا قيمتها وكأنها لم تكن”.

في المقابل، بدأت تظهر محاولات من مخبرين سابقين للاعتذار وتقديم تعويضات مادية أو هدايا مقابل الصفح، وهو ما اعتبره البعض إهانة إضافية لكرامتهم.

العدالة الانتقالية.. ما زالت بعيدة

أعلنت الحكومة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أنها ملتزمة بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، لكن لا تزال هناك فجوة بين التصريحات الرسمية ومطالب الضحايا على الأرض. وفي ظل غياب خطوات عملية وشاملة للمصالحة، تبقى ذاكرة الخوف تطارد كثيرًا من السوريين، وتُعيد طرح السؤال: هل يمكن لمجتمع مزّقه الخوف أن يُشفى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى