أخبار دولية

تسوية أنقرة مع حزب العمال الكردستاني·· هل تمهّد لتفاهمات أوسع في سوريا؟

تسوية أنقرة مع حزب العمال الكردستاني·· هل تمهّد لتفاهمات أوسع في سوريا؟

تسوية أنقرة مع حزب العمال:في خطوة وصفت بـ”التاريخية”، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري انسحاب مقاتليه من الأراضي التركية. ضمن مسار التسوية السياسية الذي أطلق مطلع العام الحالي تحت شعار “تركيا خالية من الإرهاب”. هذه المبادرة جاءت استجابة لدعوة زعيم الحركة القومية دولت بهشلي، حليف حزب العدالة والتنمية، وتلقاها زعيم الحزب المؤسس عبد الله أوجلان بإيجابية معلناً تخليه عن السلاح، ما مثّل نقطة تحوّل في الصراع المستمر منذ أربعة عقود·

ومع هذا التطور، عادت إلى الواجهة تساؤلات كثيرة حول انعكاس التسوية التركية – الكردستانية على الملف السوري. خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الأزمة السورية يرتبط بشكل مباشر. بامتدادات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب (YPG) التي تشكل العمود الفقري لتنظيم قسد (قوات سوريا الديمقراطية).

تسوية أنقرة مع حزب العمال

تحول جديد في سياسة أنقرة:الخطوة الأخيرة تعني عملياً أن الخلايا المتبقية لحزب العمال داخل تركيا ستغادر الأراضي التركية. متجهة إلى إقليم كردستان العراق، حيث يُتوقع أن تُقيم في مناطق أشبه بالمخيمات. في إشارة إلى طي صفحة المواجهات العسكرية الداخلية.
لكن هذا الانسحاب لم يكن مفاجئاً، إذ سبقته تحولات ميدانية وسياسية منذ عام 2016 حين تمكنت تركيا من إنهاء وجود الحزب في ولايتي ديار بكر وشرناق. بعد أن خرق الهدنة السابقة وسعى لتعزيز نفوذه هناك بدعم من وحدات حماية الشعب عبر الحدود السورية.

ردّت أنقرة حينها بإطلاق عملية “الخندق” التي أعادت السيطرة على المناطق الجنوبية الشرقية. وأطلقت بعدها سياسة أمنية جديدة قائمة على العمليات الاستباقية الخارجية، لا سيما في شمال العراق وشمال سوريا.

من الداخل إلى الخارج: الاستراتيجية التركية الجديدة

منذ عام 2018، وسّعت تركيا من نطاق عملياتها ضد حزب العمال وأذرعه العسكرية، معتمدة على مبدأ “المعركة في الخارج” لمنع التهديدات قبل وصولها إلى الداخل·
وما تزال التصريحات التركية الرسمية تؤكد أن تفكيك وحدات حماية الشعب YPG يشكل شرطاً أساسياً لإنهاء التوترات، باعتبارها الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني· وترى أنقرة أن أي عملية تسوية لا تشمل هذه الوحدات ستُبقي الحدود التركية – السورية في حالة تهديد دائم، مما يتيح لقوى إقليمية ودولية استخدام الورقة الكردية لأغراضها الخاصة·

انعكاسات محتملة على الداخل التركي:تسوية أنقرة مع حزب العمال

يعتقد مراقبون أن تسوية أنقرة مع حزب العمال لن تتأثر كثيراً بأي تحركات عسكرية في سوريا، إذ فقد الحزب الكثير من قدراته بعد الضربات التي تلقاها في شمال العراق، حيث وصلت العمليات التركية إلى عمق أكثر من 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية عام 2024·

كما أن الضغوط الأميركية على الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، والتي كانت تمدّ حزب العمال بالدعم اللوجستي، أدت إلى تقليص نفوذه بشكل كبير·

في المقابل، يُنظر إلى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي التركي بوصفه شريكاً أساسياً في المسار السياسي الجديد، إذ يقوم بدور الوسيط بين الحكومة التركية وعبد الله أوجلان· ومن غير المرجح أن يخاطر الحزب بإفشال التسوية، خاصة أنه يطمح للحصول على حقوق سياسية وثقافية موسّعة للأكراد ضمن الدولة التركية، إضافة إلى إمكانية شمول بعض القيادات بالعفو العام·

الهدوء التركي تجاه “قسد”·· رسائل محسوبة

من الملاحظ أن أنقرة تعتمد مقاربة أكثر هدوءاً في تعاملها مع ملف قسد في سوريا خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يفسره محللون برغبتها في عدم التشويش على المسار السياسي بين دمشق وقسد، والذي ترعاه أطراف عربية ودولية·

فتركيا، التي عادت لتنسيق مواقفها مع دمشق في عدة ملفات، ترى أن استقرار سوريا سياسياً وأمنياً يصب في مصلحتها الاستراتيجية، وأن التصعيد في هذا التوقيت قد يضعف مساعي الحكومة السورية لرفع العقوبات واستعادة الثقة الدولية·

كما أن أنقرة تراهن على أن المسار الدبلوماسي سيفضي إلى تقليص نفوذ القوى الإقليمية غير الراغبة بالاستقرار، والتي تسعى لاستثمار أي توتر جديد في الشمال السوري لإعادة تدوير أدوارها·

لكن هذا الهدوء – كما يرى بعض المحللين – قد لا يدوم طويلاً إذا شعرت تركيا أن مفاوضات دمشق مع قسد ستنتهي إلى تثبيت وجود وحدات حماية الشعب كقوة مستقلة تحت مظلة شكلية للحكومة السورية، وهو ما تعتبره أنقرة خطاً أحمر·

انعكاسات التسوية التركية على الملف السوري

في حال نجاح مسار التسوية الداخلي التركي، فإن تداعياته ستمتد بالضرورة إلى الساحة السورية. فإغلاق صفحة الحرب بين أنقرة والعمال الكردستاني سيؤدي إلى تحييد المكوّن الكردي في سوريا عن الصراع المسلح. وتشجيعه على الدخول في عملية سياسية شاملة ضمن الدولة السورية. لا سيما أن الأكراد في سوريا يمثلون نسبة أقل بكثير مقارنة بتركيا والعراق.

كما أن التسوية قد تفتح الباب أمام تفاهمات أمنية جديدة بين أنقرة ودمشق. تتيح ضبط الحدود، وتمنع أي فراغ أمني يمكن أن تستغله القوى الخارجية. في المقابل، فإن الحكومة السورية ستستفيد من تراجع الدعم الغربي لقسد في حال زوال المبررات الأمنية المرتبطة بالتهديد التركي.

خاتمة: نحو خريطة إقليمية جديدة

تسوية أنقرة مع حزب العمال:ما يجري اليوم بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني يتجاوز البعد الداخلي التركي. إذ يحمل ملامح تحوّل إقليمي قد يعيد رسم موازين القوى في شمال سوريا والعراق.

فالتسوية، إن استمر زخمها، يمكن أن تؤسس لمرحلة منخفضة التوتر بين تركيا وسوريا. وتفتح الباب أمام تفاهمات أمنية – سياسية أوسع تشمل الملف الكردي برمّته.

وفي الوقت الذي تسعى فيه دمشق لاستعادة السيطرة على كامل أراضيها بدعم من حلفائها. تبدو أنقرة حريصة على إغلاق جبهة الصراع الطويلة مع الأكراد لتتفرغ لترتيب أولوياتها الإقليمية في مرحلة ما بعد التسويات.

وهكذا، قد يكون مسار “تركيا خالية من الإرهاب” الخطوة الأولى نحو شرق أوسط أكثر استقراراً. شرط أن تترجم الوعود السياسية إلى خطوات عملية على الأرض، تضمن الأمن والحقوق المتوازنة لجميع المكوّنات·

 

إقراء المزيد:

دوام طلاب فرع السويداء جامعة دمشق:الدراسة في دمشق ودرعا والقنيطرة 2025

إعادة الأملاك إلى أصحابها:أكثر من 500 عقار·· لجنة رد الحقوق في عفرين

إلغاء عقوبات قيصر على سوريا: ضغوط ترمب وإصرار إسرائيل 2025

الدفاع التركية: التعاون مع سوريا مستمر لتعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية

الدماغ لا يحب التغيير: كيف تعيد برمجة عقلك لتقبّل البداية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى