أخبار سياسية

جلسات التحضير لمؤتمر الحوار الوطني السوري: بين العدالة والتمثيل الشامل

جلسات التحضير لمؤتمر الحوار الوطني السوري

في خطوة غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث، انطلقت جلسات التحضير لمؤتمر الحوار الوطني السوري، مما يمثل بداية مرحلة جديدة قد تكون محورية في تاريخ البلاد. هذه الجلسات لا تقتصر على كونها مجرد لقاءات تحضيرية تقليدية، بل هي بمثابة تعبير عن الإرادة الشعبية الحقيقية لأفراد المجتمع السوري، وتوجه نحو بناء سوريا جديدة مبنية على أسس من العدالة والمشاركة الفعالة لجميع شرائح المجتمع. تلك الجلسات التي احتضنت أصواتًا مرتفعة ونقاشات حادة، تظهر بوضوح رغبة السوريين في إحداث تغيير حقيقي، بعد أكثر من خمس عقود من الاستبداد.

التحضير لمؤتمر الحوار الوطني: تعبير عن أوجاع السوريين

إن ما تشهده الجلسات التحضيرية من نقاشات حيوية حول مستقبل سوريا يعكس بالدرجة الأولى مرارة التجربة التي مر بها الشعب السوري. بعد سنوات من القمع والخوف، جاءت هذه الجلسات لتكون بمثابة متنفس للجميع للتعبير عن آرائهم حول مختلف القضايا التي كانت في السابق محظورة أو محجوبة. من العدالة الانتقالية، إلى شكل الدولة السوريّة، مرورًا بمسألة الهوية الوطنية، والحقوق الدينية والطائفية، والجميع يحملون أملًا مشتركًا في بناء دولة عادلة وشاملة.

العدالة الانتقالية: أولوية لا يمكن تجاهلها

بينما كانت مداخلات المشاركين في الجلسات متنوعة، إلا أن أحد أبرز المواضيع التي تم التركيز عليها كان ملف العدالة الانتقالية. مطالبات محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها النظام السابق ضد الشعب السوري كانت حاضرة في كل جلسة. قد تكون العدالة الانتقالية هي أمل السوريين في إصلاح ما أفسده سنوات من الدكتاتورية، وتقديم الجناة إلى العدالة، ليس فقط من أجل الانتقام ولكن أيضًا من أجل إرساء أسس التسوية والشفاء الوطني.

الأستاذ الجامعي أحمد نجيب، الذي فقد بصره نتيجة قصف النظام، كان من أبرز المتحدثين في هذا السياق، حيث أكد على رفض مسامحة من قتلوا السوريين. في مداخلة مؤثرة، طالب بنقل القتلة إلى السجون بدلًا من السماح لهم بالاستمرار في حياتهم السياسية. هذه المداخلة لم تكن مجرد صرخة ألم شخصي، بل كانت تعبيرًا عن إرادة ملايين السوريين الذين فقدوا أعزاءهم خلال السنوات الماضية.

التنوع الطائفي والسياسي: منع المحاصصة والتأكيد على العدالة

من القضايا الجوهرية التي تم التركيز عليها أيضًا هي مسألة التنوع السياسي والطائفي في سوريا. وقد شهدت الجلسات مطالبات متكررة بعدم الوقوع في فخ المحاصصة الطائفية والعرقية التي قد تؤدي إلى تمزيق البلاد كما حدث في دول أخرى في المنطقة مثل لبنان والعراق. كان المتحدثون حريصين على التأكيد أن سوريا يجب أن تكون دولة متعددة، تحترم جميع مكوناتها الدينية والعرقية، ولكن دون أن تتحول إلى محاصصة طائفية، مما قد يعيد إلى الأذهان أخطاء الماضي.

الأقليات: لعبة سياسية على حساب الأمن الاجتماعي

في جلسة حماة، برزت مداخلة غادة دعبول، المنحدرة من مدينة محردة ذات الأغلبية المسيحية، التي انتقدت استخدام نظام الأسد لورقة الأقليات. قالت دعبول إن النظام استغل الأقليات لتحقيق مصالحه السياسية، مما أدى إلى تصاعد الانقسامات الطائفية داخل المجتمع السوري. وقد اعتبرت أن ما يحدث في سوريا اليوم هو محاولات حقيقية لبناء سوريا تعددية تأخذ في اعتبارها حقوق الجميع، دون أن تتاجر بمصير الأقليات.

إجماع المشاركين في الجلسات كان واضحًا: سوريا يجب أن تكون دولة لكل السوريين، بعيدًا عن أي حسابات طائفية أو دينية. ويجب أن يتم تمثيل الجميع في هذه العملية السياسية الجديدة بناءً على الكفاءة والقدرة على خدمة الوطن، وليس بناءً على الانتماء الطائفي أو العرقي.

الشكل المستقبلي للحكومة: بناء دولة العدالة والمساواة

من أبرز القضايا التي تم طرحها في الجلسات هي مسألة شكل الحكومة المستقبلية في سوريا. النقاشات تطرقت إلى ضرورة تبني نظام حكومي يقوم على العدالة والمساواة، بحيث يُفسح المجال لجميع فئات الشعب السوري في المشاركة في العملية السياسية. ورغم تباين الآراء حول نوعية النظام (هل سيكون برلمانيًا، رئاسيًا، أو مختلطًا)، إلا أن الجميع اتفق على أن النظام يجب أن يكون ديمقراطيًا، ويحترم حقوق الإنسان والحريات العامة.

التحديات المستقبلية: هل يمكن للعدالة أن تتحقق؟

رغم الأمل الكبير الذي تحمله الجلسات التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، إلا أن التحديات التي تواجهها سوريا في المستقبل لا يمكن إنكارها. فعلى الرغم من رغبة السوريين في بناء دولة جديدة قائمة على العدالة والمساواة، إلا أن الواقع السياسي والاقتصادي قد لا يكون مهيأً بعد لتحقيق هذه الأهداف. بالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار النزاعات في بعض المناطق، وتحديات التعددية السياسية، وصعوبة إنهاء تأثيرات النظام السابق، كلها عوامل قد تعرقل سير هذا المشروع الوطني الطموح.

خلاصة

إن ما بدأ كجلسات تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري ليس مجرد تجمع لطرح الآراء، بل هو خطوة نحو مرحلة جديدة في تاريخ سوريا. وبينما يركز المشاركون على أهمية العدالة الانتقالية، ورفض المحاصصة الطائفية، والدعوة إلى بناء دولة ديمقراطية حرة، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون هذه الجلسات بداية حقيقية لعملية سياسية شاملة تنهي معاناة السوريين وتفتح الطريق لبناء وطن جديد يعكس آمالهم وطموحاتهم.

إقراء المزيد:

اللجنة التحضيرية للحوار الوطني السوري تعقد جلستها في حماة وسط تأكيد على المسار الديمقراطي

الرئاسة السورية، اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني

جلسة حوارية في الحسكة لمؤتمر الحوار الوطني السوري

انطلاق الجلسات التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في إدلب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى