
تحديات استعادة قطاع الكهرباء في سوريا رغم الاستثمارات الخليجية والدولية
استعادة قطاع الكهرباء في سوريا:بعد سنوات من الحرب والانهيار الاقتصادي، بدأت سوريا تشهد مؤخرًا تحرّكات دولية لاستثمار المليارات في مشاريع إعادة الإعمار، خصوصًا في قطاع الطاقة. فقد أعلنت دولة قطر، من خلال شركتها الرائدة “UCC”، عن إطلاق مشروع ضخم لإعادة بناء البنية التحتية الكهربائية في سوريا بتكلفة تصل إلى 7 مليارات دولار، ما يُعدّ أكبر استثمار أجنبي تشهده البلاد منذ أكثر من عقد.
رغم أهمية هذه الخطوة وانعكاسها المحتمل على حياة المواطنين، فإن التحديات على أرض الواقع ما تزال تقف عائقًا كبيرًا أمام أي تحسّن فعلي في شبكة الكهرباء. تتصدر هذه التحديات مشكلات النهب المنظّم، وانعدام الأمن، وغياب الاستقرار الإداري والمالي، بالإضافة إلى افتقار الدولة لمقومات البنية الاستثمارية الجاذبة.
واقع الشبكة الكهربائية في سوريا بعد الحرب
قبل عام 2011، كانت شبكة الكهرباء في سوريا تُغطّي 99% من المواطنين، وتتميّز بقدرة إنتاجية تلبّي احتياجات المدن والريف على حد سواء. لكن سنوات الحرب وما رافقها من دمار واسع للبنية التحتية أدت إلى انهيار هذا القطاع الحيوي.
اليوم، لا تنتج سوريا سوى أقل من خمس إنتاجها الكهربائي السابق، بينما تعاني الشبكة من دمار واسع النطاق. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ثلثي شبكة التوزيع إما تعرّضت للدمار أو تحتاج إلى إصلاحات جذرية، بتكلفة تُقدّر بـ5.5 مليارات دولار، وهو مبلغ يفوق إمكانيات الحكومة السورية الحالية التي تعاني من شحّ السيولة.
ظاهرة النهب وغياب السيطرة الأمنية
من أبرز التحديات التي تواجه مشاريع إعادة تأهيل الكهرباء في سوريا، الانتشار الواسع لظاهرة النهب. ففي مناطق كثيرة، خاصة جنوب البلاد، تُسرق كابلات التوتر العالي ومحولات الطاقة بشكل منتظم. هذه السرقات لم تعد أعمالًا فردية، بل تحوّلت إلى ظاهرة منظّمة يقف خلفها مسلحون، ما يصعّب على فرق الصيانة إصلاح الأعطال أو إعادة تأهيل الشبكة.
وفي تصريح صحفي، قال خالد أبو دي، رئيس المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء في سوريا: “فرقنا تعمل في مكان، بينما تحصل السرقات في مكان آخر”. وأضاف أن أكثر من 80 كيلومترًا من كابلات الكهرباء تعرّضت للنهب جنوب البلاد منذ سقوط النظام السابق، فيما فشلت الحكومة في تأمين خطوط النقل الممتدة لمسافات طويلة.
أما أحمد الأخرس، أحد مسؤولي مشاريع الإصلاح في الجنوب، فأشار إلى أن “اللصوص في كثير من الأحيان يكونون مسلحين، وفرقنا لا تستطيع التدخل أو مواجهتهم”، مؤكدًا أن مستودعات المؤسسة العامة شبه فارغة، ما يجعل استجابة الطوارئ محدودة للغاية.
استثمارات واعدة.. لكن المخاطر قائمة
رغم هذا الواقع المعقّد، تشهد الساحة السورية اهتمامًا متزايدًا من شركات خليجية وعالمية بالاستثمار في مجال الطاقة. فقد أبدت شركات صينية وأميركية وتركية اهتمامها بالدخول في مشاريع الكهرباء، مستفيدة من قرار رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا مؤخرًا.
وتسعى الحكومة السورية إلى استقطاب هذه الشركات عبر تقديم نماذج شراكة مرنة، تشمل إمكانية تأجير محطات التحويل وخطوط النقل عالية الجهد، مع السماح ببيع الطاقة مباشرة للمستهلكين لاسترداد الاستثمارات.
ويقول وزير الطاقة محمد البشير إن المشاريع الجديدة التي ستقودها قطر، تتضمن إنشاء أربع محطات تعمل بتقنية الدورة المركبة، بالإضافة إلى محطة طاقة شمسية، وتُتوقّع أن تبدأ بالإنتاج خلال ثلاث سنوات. وأضاف: “نأمل أن تكون هذه المشاريع نواة لإعادة تأهيل الشبكة على مستوى البلاد”.
الفقر وتحديات رفع الدعم
من العوائق الأخرى أمام نجاح مشاريع الكهرباء في سوريا، الواقع الاقتصادي المتدهور للمواطنين. فمعيشة أكثر من 90% من السكان تقع تحت خط الفقر، ما يجعل من المستحيل تطبيق تعرفة كهرباء تُغطي التكلفة الحقيقية.
ويقول الباحث الاقتصادي سامر دهي إن “الكهرباء كانت مدعومة بشكل كبير في عهد النظام السابق، وكان المواطن يدفع جزءًا بسيطًا من تكلفتها، لكن الآن، مع غياب الدعم وتكاليف الإنتاج الجديدة، لن يكون رفع الأسعار سهلاً”.
ولذلك، يتجه بعض المستثمرين إلى إيجاد حلول بديلة، عبر تقديم أسعار تنافسية مقارنة بالمولدات الخاصة المنتشرة حاليًا، والتي يعتمد عليها السوريون للحصول على الكهرباء في ساعات الانقطاع الطويلة.
نموذج من الاستثمار المحلي: مشروع ريف حلب
من أبرز المبادرات المحلية التي بدأت تلفت الأنظار، المشروع الذي أعلنه رجل الأعمال السوري ضياء قدور، صاحب شركة STH Holding المسجّلة في تركيا، حيث يعتزم ضخ استثمار بقيمة 25 مليون دولار لتأسيس شبكة كهربائية تخدم مناطق في شمال ريف حلب، بالاعتماد على الكهرباء المستوردة من تركيا.
وقال قدور إن المشروع يهدف إلى “تغطية احتياجات نحو 150 ألف منزل”، مؤكدًا أن وجود شركته على الأرض منذ أكثر من خمس سنوات يمنحها القدرة على فهم الواقع وتشغيل المشروع بفعالية. وأضاف: “هدفنا تقديم خدمة مستقرة بأسعار أقل من تلك التي يفرضها سوق المولدات”.
هل تنجح سوريا في إعادة تأهيل الكهرباء؟
رغم ضخامة الاستثمارات الجديدة، فإن مستقبل الكهرباء في سوريا ما يزال مرتبطًا بتحسين الوضع الأمني، وفرض القانون، وضمان حماية المنشآت من السرقات المنظمة. كما يتطلب الأمر إصلاحات اقتصادية أعمق في منظومة الدعم، والقطاع المصرفي، ونظام التعاقدات.
الخطوات الأولى قد تكون مشجعة، خصوصًا مع الاهتمام الخليجي والعربي المتجدد بسوريا بعد سنوات من القطيعة. لكن النجاح الفعلي مرهون بتحقيق التوازن بين احتياجات المواطنين، والمردود الاقتصادي للمستثمرين، ومقدرة الدولة على تأمين البيئة اللازمة للعمل.
في النهاية، قد تكون الكهرباء بوابة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وإحياء الاقتصاد السوري، ولكن بشرط واحد: أن تتم مواجهة الفوضى الأمنية والفساد بالقدر ذاته من الجدية التي يُخصّص بها المال للمشاريع.
إقراء المزيد:
الرئيس أحمد الشرع يشكر الكويت ويؤكد: سوريا منفتحة على الأشقاء العرب
طيران ناس السعودي يعلن عن رحلتين أسبوعياً من جدة إلى دمشق
المقاتلون الأجانب في سوريا بعد سقوط الأسد.. التحدي الأخطر في طريق الرئيس السوري أحمد الشرع
اليابان تفتتح مركزًا رقميًا في جامعة دمشق لدعم الشباب السوري في مجالات التقنية والابتكار
الرئيس السوري أحمد الشرع: يصدر مرسوم منحة عيد الأضحى في سوريا 2025