
الشقة تباع مرتين في دمشق: ملف العقارات يتحوّل إلى كابوس قانوني للمواطنين
الشقة تباع مرتين في دمشق: في العاصمة السورية دمشق، لم تعد رحلة البحث عن منزل حلمًا ورديًا كما كانت يومًا، بل باتت مغامرة محفوفة بالمخاطر القانونية. آلاف المواطنين وقعوا ضحية لعمليات احتيال عقاري، عُرفت بـ “العقود البرانية”، حيث تُباع الشقة الواحدة أكثر من مرة في ظل غياب التوثيق الرسمي، وتفشي التزوير وفساد السجلات.
العقود البرانية: ملكيات وهمية وضحايا بلا مأوى
“دفعت ثمن الشقة، لكنني اليوم أعامل كمستأجر بلا عقد”.. بهذه الكلمات يلخص مجد زريقة معاناته بعد أن اكتشف أن شقته التي اشتراها في حي ركن الدين، بيعت مرة أخرى لشخص آخر يحمل سند ملكية رسمي. قصة مجد ليست استثناءً، بل واحدة من مئات القضايا التي تملأ أروقة المحاكم في دمشق.
تعتمد هذه الصفقات على ما يُعرف بالعقود البرانية، وهي اتفاقات بيع تُبرم خارج الدوائر الرسمية، غالبًا بسبب تعطّل عمليات التوثيق، أو صعوبة الحصول على الموافقات الأمنية، أو اعتماد بعض المناطق على سجلات مؤقتة مثل سجلات الإسكان العسكري. ومع غياب الرقابة، تُباع الشقة ذاتها لعدة أطراف، وكل طرف يظن أنه المالك الشرعي.
سندات غائبة وورثة بلا حقوق
ليست فقط عمليات البيع العادية هي المتضررة، بل حتى الورثة يعانون. ريما الأسعد، واحدة من ورثة منزل في حي المهاجرين، روت كيف باع شقيقها العقار بدون تفويض، مستخدمًا عقدًا داخليًا ووكالة غير مصدقة. وعندما حاول الورثة الاعتراض، اكتشفوا أن المنزل انتقل لطرف ثالث، دون أن تعترف السجلات بأي منهم كملاك قانونيين، لأن الملكية كانت أصلاً غير مثبتة رسميًا.
مدير المصالح العقارية: توثيق العقود متوقف مؤقتًا
المدير العام للمصالح العقارية، عبد الباسط قيراطة، أكد أن الشقة لا تُعد مملوكة قانونًا إلا إذا سُجلت رسميًا في الصحيفة العقارية. وأي بيع خارج هذا الإطار لا يُعتدّ به، ولا يمنح المشتري أي حقوق قانونية.
وأشار إلى أن الحكومة الجديدة تعمل على إلغاء الموافقة الأمنية وبراءة الذمة، وهما من أبرز العوائق التي واجهت عمليات البيع لسنوات، ليتم استبدالهما بمنظومة أكثر تبسيطًا لتسجيل الملكية عبر المصالح العقارية فقط، وبقاعدة بيانات موحدة.
وأضاف قيراطة أن مديريات المصالح العقارية جمّدت مؤقتًا عمليات توثيق العقود الجديدة لحين التأكد من خلوها من أي تلاعب، بينما تستمر باقي الخدمات العقارية كالمخاطبات والاستعلامات والنسخ.
تزوير واسع النطاق وشبكات محمية
تشير بيانات القصر العدلي في دمشق لعام 2024 إلى تسجيل أكثر من 3500 دعوى قضائية لاسترداد عقارات بيعت بموجب عقود مزوّرة. وتُقدَّر حالات التزوير خلال ثلاث سنوات فقط في دمشق وريفها بأكثر من 40 ألف حالة، تليها حلب بـ10 آلاف حالة.
المحامي حسام الدين ناصيف، المتخصص في قضايا الملكية، اعتبر أن ما يجري هو “سياسة عقارية عقابية”، استخدمت فيها القوانين الاستثنائية مثل “محكمة الإرهاب” وميدان، لشرعنة المصادرات، خاصةً بحق المغيبين أو المهجّرين.
وأشار إلى أن الوكالات المزوّرة تُستخدم أمام الكاتب بالعدل لاستكمال عمليات بيع قانونية، مستغلين غياب أصحاب العقارات الحقيقيين، الذين غالبًا ما يكونون في المعتقلات أو خارج البلاد. كما جرى استغلال الهويات القديمة للقيام بعمليات انتحال شخصية لنقل الملكيات.
إجراءات حكومية جديدة: هل تنجح في ضبط السوق؟
ضمن محاولات الإصلاح، أعلنت وزارة الإدارة المحلية عن خطط لتشكيل لجان مختصة لمعالجة ملفات التزوير، وتطوير البنية القانونية للملكية العقارية. كما يجري العمل على رقمنة السجلات العقارية وإغلاق اليومية منها لمنع التلاعب.
في الوقت ذاته، أعلنت المديرية العامة للمصالح العقارية عن تسهيلات للمتضررين، تشمل استخراج بيانات ملكية وسندات رسمية للطعن في عمليات البيع غير القانونية. وتؤكد السلطات أن أي عقار تم بيعه بموجب تزوير يتطلب دعوى قانونية جديدة ضد المالك الحالي لإثبات الحق واستعادة الملكية.
بيع الشقة مرتين في دمشق: أزمة تتطلب حلولًا سياسية وقانونية
الملف العقاري في سوريا بات أكثر من مجرد إشكال قانوني؛ إنه مرآة لسنوات من الفوضى الإدارية والفساد والتلاعب المنظم، التي لا يمكن تصحيحها إلا بإرادة سياسية جادّة، وقوانين واضحة تضمن حماية الملكيات الخاصة.
فحتى إشعار آخر، تبقى عبارة “الشقة تباع مرتين في دمشق” واقعًا يوميًا يهدد استقرار آلاف الأسر، ويُحول حلم السكن إلى كابوس مفتوح على كل الاحتمالات.
إقراء المزيد
هل تتحول إيران إلى تشيرنوبيل جديدة؟ خبراء يحذرون الشرق الأوسط على حافة إشعاع نووي
انتخابات تشريعية مرتقبة في سوريا: لأول مجلس شعب شرعي خلال 90 يوماً
انتقادات وجدل حول تأهيل جبل قاسيون.. مشروع استعادة أم تشويه لمعْلم دمشق الأبرز؟
اليوم الثامن من الحرب: تصعيد غير مسبوق بين إيران وإسرائيل وسط تهديدات أميركية مباشرة
الوزيرة قبوات: نظام جديد لعمل الجمعيات الأهلية في سوريا… وملفات التسول والعمالة أولوية
دعوة وزير الإعلام السوري لتأهيل كوادر إعلامية شابة استعداداً لمرحلة الانفتاح