
بعد حصولها على الشرعية..سوريا الجديدة تضغط على روسيا لإعادة تموضعها
سوريا الجديدة تضغط على روسيا :منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد وصعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم، تسير سوريا على خطى سياسية مختلفة تماماً عن السنوات السابقة. تسعى دمشق الجديدة إلى تثبيت شرعيتها محلياً ودولياً، وإعادة بناء شبكة تحالفاتها الخارجية على أسس جديدة، تتقدم فيها المصالح الوطنية على الحسابات القديمة التي ربطت البلاد بنفوذ قوى كبرى مثل روسيا وإيران. وفي صميم هذه التحولات، برز ملف الوجود الروسي في سوريا كأحد أكثر الملفات تعقيداً وتحوّلاً في علاقات دمشق الخارجية.
اعتراف دولي يغيّر قواعد اللعبة
منذ بداية عام 2025، حققت الحكومة الجديدة اختراقات دبلوماسية مهمة. تم رفع معظم العقوبات الغربية، أعادت ألمانيا فتح سفارتها في دمشق، وظهر الدعم الخليجي واضحاً من خلال تسديد ديون سوريا لصندوق النقد الدولي وتمويل رواتب القطاع العام. لكن التحول الأبرز تمثل في استقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرئيس أحمد الشرع في السعودية، وما تلاه من قرارات برفع العقوبات الأوروبية والأميركية على سوريا.
كل ذلك جعل من الحكومة السورية شريكاً دولياً محتملاً، لا سيما مع استقرار الأوضاع الأمنية في معظم البلاد، وبدء مؤشرات نمو اقتصادي بدعم خليجي وأوروبي وتركي.
موسكو تفقد امتيازاتها السابقة
لسنوات طويلة، كانت روسيا اللاعب الدولي الأبرز في الساحة السورية، من خلال قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس، وصفقات الأسلحة، وعقود النفط والغاز، ومشاريع البنى التحتية. لكن هذا النفوذ بدأ يتآكل تدريجياً منذ سقوط نظام الأسد. فعلى الرغم من منح القيادة الجديدة بعض الضمانات الأولية لبقاء القواعد الروسية، إلا أن سياق الأحداث أثبت أن موسكو لم تعد الشريك المفضل.
-
تم فسخ عقد إدارة مرفأ طرطوس الذي كانت موسكو قد حصلت عليه عام 2019، واستُبدل بشركة إماراتية.
-
أوقفت دمشق طباعة عملتها في روسيا، وبدأت ترتيبات جديدة مع ألمانيا والإمارات لطباعة الليرة السورية.
-
جرى تقليص المشاركة الروسية في مشاريع البنى التحتية، مع تجاهل مطالب موسكو بتسديد مستحقات متأخرة.
هجمات على القواعد الروسية: مؤشرات تصعيد؟
من المؤشرات المقلقة بالنسبة لموسكو، تزايد الحوادث الأمنية التي استهدفت قواعدها في سوريا. ففي أيار/مايو 2025، تعرضت قاعدة حميميم لهجوم مسلح أدى إلى مقتل عسكريين روسيين، في عملية وُصفت من قبل السلطات السورية بأنها “فردية”. كما تكررت في الأشهر الماضية حوادث سقوط طائرات مسيّرة فوق قواعد روسية دون إعلان رسمي عن المسؤولين.
ورغم عدم تبني الحكومة السورية لهذه الهجمات، يرى مراقبون أنها تشكّل رسائل ضمنية تعكس عدم رغبة دمشق بالإبقاء على النفوذ العسكري الروسي بالحجم ذاته، خاصة بعد استتباب الأمن الداخلي.
النفوذ الروسي مقابل الشراكة الغربية
تجد دمشق نفسها اليوم أمام مفترق طريق: فإما أن تُبقي على شراكتها مع موسكو، بما يعني استمرار التعامل مع دولة واقعة تحت عقوبات غربية ثقيلة، أو أن تتجه بالكامل نحو الغرب والخليج، لتستفيد من فرص إعادة الإعمار، وعودة سوريا إلى النظام المالي العالمي.
ويبدو أن القيادة الجديدة اختارت الطريق الثاني، مع محاولة الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقة مع روسيا، دون أن تمكّنها من التأثير في القرار السياسي أو الاقتصادي السوري كما كان الحال في السابق.
براغماتية دمشق الجديدة
منذ اللحظة الأولى لوصول أحمد الشرع إلى الحكم، ظهر توجه براغماتي واضح في السياسة الخارجية السورية. فقد سعى الرئيس الجديد إلى تبني خطاب متوازن تجاه جميع القوى الدولية، دون قطع العلاقات مع موسكو أو طهران، لكنه بالمقابل أعاد صياغة أولويات بلاده من منطلق السيادة الوطنية والاستقلال في اتخاذ القرار.
ولعل أبرز ما يميّز هذا النهج هو ترك مساحة للتفاوض مع الروس، دون منحهم حق الفيتو على السياسات الداخلية أو الإقليمية لسوريا. وقد عبّر الشرع أكثر من مرة عن أهمية أن “تأخذ روسيا في الاعتبار أخطاء الماضي”، في إشارة إلى دعمها المطلق للأسد، وتورطها في قصف مدن سورية وارتكاب انتهاكات خلال سنوات الحرب.
هل بدأت مرحلة الخروج الروسي؟
رغم أن دمشق لم تطلب حتى الآن بشكل رسمي مغادرة روسيا، فإن سلسلة القرارات التي اتخذتها توحي بأن مرحلة جديدة من العلاقة قد بدأت بالفعل، قوامها:
-
تقليص الوجود العسكري الروسي.
-
إنهاء الامتيازات الاقتصادية التي حصلت عليها موسكو سابقاً.
-
فتح المجال أمام شركات دولية جديدة، خصوصاً من الخليج وتركيا.
-
تحييد القواعد الروسية عن التأثير في المشهد السياسي الداخلي.
ولم يعد من المستبعد أن تُفتح ملفات مثل إعادة التفاوض على شروط وجود قاعدة حميميم، أو مراجعة الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية بين البلدين.
الختام: ما الذي تريده دمشق فعلاً؟
تسعى “سوريا الجديدة” إلى استعادة قرارها الوطني المستقل، بعد أكثر من عقد من التبعية الإقليمية والدولية. ومع التحولات التي يشهدها المشهد الدولي والإقليمي، باتت القيادة السورية أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة على أسس وطنية، يكون فيها الشريك الأجنبي داعماً لا متحكماً.
وروسيا، التي دعمت النظام السابق حتى الرمق الأخير، تجد نفسها الآن مضطرة لإعادة حساباتها، أو مواجهة سيناريو الإزاحة الناعمة من سوريا، ما لم تواكب المتغيرات الجديدة وتتكيف مع مطالب المرحلة القادمة.
إقراء المزيد:
البنك الدولي يموّل سوريا بـ146 مليون دولار لدعم الكهرباء وإنعاش الاقتصاد
الرئيس الشرع يؤكد تضامن بلاده مع قطر ويُدين الهجوم الإيراني على قاعدة العديد
مرشح قيادة “سنتكوم”: بقاء القوات الأميركية في سوريا ضروري لمنع عودة “داعش”
تشكيل غرفة تنسيق مشتركة في درعا: خطوة لتعزيز الاستقرار ومواجهة الفوضى الأمنية
سوريا تحت المجهر الأميركي: جولة نيويورك تايمز في مدن ما بعد الحرب